للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)} [البقرة]. ومعنى قوله: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ} أي: «بما لا يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته، احتقارًا للرسل واستبعادًا للرسالة» (١).

فإذا كانت هذه أخلاقهم مع رسلهم الذين أُرسِلوا إليهم وهم منهم ومن عشيرتهم، فأخلاقهم مع رسل الله الذين ليسوا من عشيرتهم ومن بني جلدتهم لا شك أنها ستكون أسوأ حالًا وأضل سبيلًا.

فهذا النبي الذي بُعِثَ في الأُمِّيِّين -صلى الله عليه وسلم- كادوا له ولدينه ورسالته ودعوته أشد الكيد وأغلظه وأغيظه.

فلا يُسْتَغْرَب من مثلهم عدم مراعاة حُرُمات الله ولزوم حدوده مع غيرهم من المسلمين، ولا يُتَعجب من عدم تعظيمهم لما أَوْجَبَ الله تعظيمه وحفظه وعدم تعدي حدوده من حقوق المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومقدساتهم. بل إن الاستخفاف بها حاصل وقائم، وإن تعمُّدَ إهانتها وانتهاك حُرمَتها هو شغلهم الشاغل، بل إن من أجل مساعيهم في الكيد للإسلام وأهله السعي بكل وسيلة ممكنة لتشكيك المسلمين في دينهم وعقيدتهم الراسخة! ومن مكائدهم في ذلك تعمد إلقاء الشُّبَه على المسلمين والطعن في الإسلام والطعن في القرآن وفي النبي -صلى الله عليه وسلم- لمحاولة زعزعتهم عن دينهم وارتدادهم عنه، ومن محاولاتهم البائسة في ذلك ادعاء البعض منهم الإسلام وادعاء الدخول فيه، ثم الردة عنه بعد ذلك؛ يرتدُّون عن الإسلام الذي دخلوه ظاهرًا، مدعين بذلك أنهم لم يجدوا أن هذا الدين هو الدين الحق الذي يجب أن يدين الخلق به لربهم، فوجب على أهله التراجع عنه وخلعه من ربقتهم.

كما قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢)} [آل عمران].

والآية وإن قيل: إنها نزلت في بعض اليهود؛ إلا أن العبرة بعموم اللفظ وهو هنا


(١) تفسير فتح القدير للشوكاني (١/ ٧٥).

<<  <   >  >>