هذا مع كثرة مخاطبتهم بالخطاب العام:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ}[آل عمران: ٦٤]، و {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ}[البقرة: ٤٠] وإنما كثر ذكرهم في القرآن؛ لبيان كفرهم وشركهم وتكذيبهم، وبيان ضلالهم وجهلهم وغرورهم وكبرههم، وقولهم في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، وحنقهم وحقدهم على الإسلام وأهله، وعلى نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم-، ولقد كثر ذكرهم-أيضًا- إظهارًا لفسادهم وتحذيرًا من شرهم وغلوهم، وتحذيرًا على ما هم عليه من سوء المعتقد وفساد الدين والعقل والأخلاق.
وقد ورود لفظ النصارى في كتاب الله تعالى مُعَرّفًا ومُنَكّرًا قرابة خمس عشرة مرة، وردت كلها في سورة البقرة والمائدة، عدا واحدة وردت في سورة آل عمران، وأخرى وردت في سورة التوبة، وأُخرى في سورة الحج، وفي جملة هذه الآيات المباركات ورد ذكر النصارى مقترنًا بذكر اليهود، وقد ورد هذا الاقتران إما على سبيل الإخبار عنهما، وأما على سبيل الذم وأما على سبيل المدح لبعضهم لما اتبعوا الحق، أما الآية التي وردت في مدح بعض النصارى الذين عرفوا الحق وشهدوا به، فهي قول الله تعالى في سورة المائدة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)} [المائدة].
«قيل: إن هذه الآية والتي بعدها نزلت في نفرٍ قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نصارى الحبشة، فلما سمعوا القرآن أسلموا واتبعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل: إنها نزلت في النجاشي ملك الحبشة وأصحاب له أسلموا معه» (١).
وأما عن بعض ما ورد في القرآن من الاقتران بين الطائفتين-اليهود والنصارى- فمنه قوله تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة: ٢٠]، وقوله