فإن من رحمته -سبحانه وتعالى- أنه كلما عظُمت حاجة خلقه لأمر ما، تعددت وجوه الحصول عليه والسبل المؤدية إليه، ولنتأمل حاجة البشرية لغذائها، يسر الله حصوله بأشكال وسبل شتى، ولنتأمل حاجة الخلق للماء أشد من حاجتهم إلى الغذاء كانت طرق الوصول إليه والحصول عليه أسهل وأيسر مما يدل على سعة رحمة الخالق بخلقه، ولنمعن التأمل في حاجة البشرية عما لا غنى لهم عنه للحظة أو للحظات ألا وهو الهواء، كان سبيل الوصول إليه لا يحتاج لبذل مال أو جهد أو علم أو طاقة بل هو ميسور لكل كائن حي بلا كلفة ولا نفقة ولا مشقة، ولاريب أن حاجة البشرية لمعرفة حقيقة التوحيد وهدايتهم إليه أعظم من حاجتهم لطعام وغذاء لقوام بدن، أو لماء لارتوائه، أو حتى لهواء يتنفسه وبه حياته، أو لأي أمر به قوام حياة أبدانهم وأجسامهم، لم لا وحياتهم الحقيقية وسعادتهم الأبدية ونجاتهم من مقت الله وسخطه وغضبه وأليم عقابه، والنجاة من عذابه وناره والفوز برضوانه وجنته، كل ذلك منوط بتحقيق التوحيد الذي هو حق الله على جميع العبيد، تحقيق التوحيد الذي به مادة الحياة الحقيقية -حياة القلوب وحياة الأرواح-، وعليه مدار السعادة والنجاة في الدنيا والأخرة.
ولما كانت حاجة البشرية إلى دلالة معرفة الله بتوحيد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته أعظمَ وأجل، كان إنزاله لخاتم كتبه على خاتم رسله كله في التوحيد، وكان تسهيل فهمه وتقريب معانيه والإعانة على تحقيقه ميسور لكل مهتد غير معاند ولا صاد عن سبيل الله وسبيل هدايته، وحول تلك المفاهيم.