للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجار والمجرور -على التعظيم والإجلال- في {بِسْمِ} متعلق بفعل مقدر، تقديره: «أبدأ».

ومعناها: {بِسْمِ اللَّهِ} وحده أقرأ كلامه وأتلوه متبركًا.

أي: أبتدأ قراءتي حال كوني متبركًا ومستعينًا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

وهي مشروعة ومستحبة في أحوال شتى منها على سبيل البيان لا الحصر:

عند الوضوء، وعند المأكل والمشرب، وعند الوقاع، وعند الخروج من البيت والولوج فيه، وعند غلق الأبواب، وعند النوم، وعند التخلي، وعند الصيد، وعند الذبح، وعند التألم والتوجع يرقي بها نفسه، وفي أذكار طرفي النهار، وعند السفر وعند ركوب الدابة وعند تعثرها، وعند ركوب البحر، وعند قتال العدو، وعند المكاتبات كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عند مكاتبة الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وعند لحد المسلم في قبره، وفي غيرها من المواضع التي لا يسع المجال لذكرها بل ولا لحصرها.

قال الجصاص (١) -رحمه الله-: «وَالأَحْكَامُ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا قَوْلُهُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الأَمْرُ بِاسْتِفْتَاحِ الأُمُورِ لِلتَّبَرُّكِ بِذَلِكَ، وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ -عز وجل- بِهِ، وَذِكْرُهَا عَلَى الذَّبِيحَةِ شِعَارٌ وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ الدِّينِ وَطَرْدِ الشَّيْطَانِ؛ وَفِيهِ إظْهَارُ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَفْتَتِحُونَ أُمُورَهُمْ بِذِكْرِ الأَصْنَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَهُوَ مَفْزَعٌ لِلْخَائِفِ، وَدَلالَةٌ مِنْ قَائِلِهِ عَلَى انْقِطَاعِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلُجُوئِهِ إلَيْه، وَأُنْسٌ لِلسَّامِعِ، وَإِقْرَارٌ بِالأُلُوهِيَّةِ، وَاعْتِرَافٌ بِالنِّعْمَةِ، وَاسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَعِيَاذَةٌ بِهِ، وَفِيهِ اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَخْصُوصَةِ بِهِ لا يُسَمَّى بِهِمَا غَيْرُهُ، وَهُمَا اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ» (٢).


(١) أبو بكر الجصاص، (٣٠٥ - ٣٧٠ هـ): الجصاص الحنفي هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي المشهور بالجصاص، ولد في مدينة الري، ثم رحل إلى بغداد، كان إمام الحنفية في وقته، واستقر التدريس له ببغداد، وانتهت الرحلة إليه، وله تصانيف كثيرة. ينظر ترجمته في: مقدمة كتابه (أحكام القرآن) (ص ٤، ٥)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي (ص ٢٧، ٢٨).
(٢) بتصرف يسير أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٩).

<<  <   >  >>