وَهُوَ فَضْلُ مَالٍ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ الْفَضْلُ عَلَى الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِنَاءً عَلَى الْمُمَاثَلَةِ لِيَكُونَ فَضْلًا عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِالْمُمَاثَلَةِ الْقَدْرُ بِالنَّصِّ فَكَذَلِكَ الْفَضْلُ عَلَيْهَا لَا مَحَالَةَ
ــ
[كشف الأسرار]
الزِّرَاعَةِ زِيَادَةٌ وَلَكِنَّهَا لَا تُسَمَّى رِبًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَهُوَ أَيْ الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ رِبَا فَضْلُ مَالٍ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا كَانَ مُعَاوَضَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ أَخْذُهُ ظُلْمًا وَاشْتِرَاطُهُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَشَرَطَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَعَ الْعَبْدِ ثَوْبًا أَوْ يَعْمَلَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ عَمَلًا؛ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِخُلُوِّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمَلُّكَ لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بِأَنْ يَقُولَ مَلَّكْتُك هَذَا الْعَرَضَ بِهِبَةٍ بِلَا مَالٍ يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ عَقْدَ تَبَرُّعٍ جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ مَا لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ الْخُلُوِّ عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ لَا يَكُونُ رِبْحًا وَلَيْسَ الرِّبْحُ بِحَرَامٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ الْأَسْوَاقَ مَا وُضِعَتْ إلَّا لِلِاسْتِرْبَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَثَوْبٍ بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ جَائِزٌ وَالْفَضْلُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَبَرُّعًا فِي عَقْدِ الْمَرِيضِ وَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ اشْتِرَاطُهُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مُغَيِّرًا لِمُقْتَضَاهُ لَكِنَّ الرِّبْحَ زِيَادَةٌ تَظْهَرُ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا عِنْدَ الشِّرَاءِ؛ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ جُعِلَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مُتَقَوِّمًا بِعَشْرَةٍ لِرَغْبَتِهِ فِي شِرَائِهِ بِعَشْرَةٍ وَلَهَا أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ زِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ؛ فَإِنَّ تَغَيُّرَ الْأَسْعَارِ بِرَغَائِبِ النَّاسِ وَلَعَلَّ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةً وَمَصْلَحَةً تُسَاوَى بِعَشَرَةٍ فَكَانَ فِي حَقِّهِ مُتَقَوِّمًا بِعَشْرَةٍ وَرَبِحَ الْآخَرُ عَلَيْهِ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ لِأَنَّ فِي السُّوقِ قِيمَتَهَا عَشَرَةٌ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ يُجْعَلُ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِتَرَاجُعِ رَغْبَتِهِمَا فِيهِ فَلَمْ يَخْلُ فَضْلٌ عَنْ الْعِوَضِ وَلَكِنْ لَمَّا وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَهْلِ السُّوقِ يُسَاوَى بِعَشْرَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْجَوْدَةِ وَرَجَعَتْ الْمَالِيَّةُ إلَى الذَّاتِ فَلَا يَثْبُتُ بِرَغْبَةِ الْمُشْتَرِي مَالِيَّةٌ فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَكَذَا فِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ زِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ بِرَغْبَةِ الْمُشْتَرِي إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْيَتِيمِ وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِي مَالٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَا فِي خَالِصِ مِلْكِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى رَغْبَتِهِمْ لِتَأْدِيَتِهَا إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ أَيْضًا.
وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ الْفَضْلُ عَلَى الْقَدْرِ أَيْ الْقَدْرِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْكَيْلُ لَا مُطْلَقُ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ فَضْلَ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْآخَرِ يَسْتَلْزِمُ مُسَاوَاةً بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَضْلِ لِيُمْكِنَ تَحْقِيقُ فَضْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إذْ لَا يُقَالُ لِفُلَانٍ فَضْلٌ عَلَى فُلَانٍ فِي الْعِلْمِ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُسَاوَاةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةٍ فِيهِ وَهَاهُنَا ذُكِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ، ثُمَّ ذُكِرَ الْفَضْلُ بَعْدَهَا.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْلًا بِكَيْلٍ وَبِالْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ الْفَضْلُ عَلَى هَذِهِ الْمُمَاثَلَةِ يَكُونُ فَضْلًا عَلَى الْكَيْلِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ كَمَا لَوْ قِيلَ: زَيْدٌ فَقِيهٌ وَعَمْرٌو فَقِيهٌ إلَّا أَنَّ زَيْدًا أَفْضَلُ مِنْهُ يَنْصَرِفُ قَوْلُهُ أَفْضَلُ إلَى صِفَةِ الْفِقْهِ الْمَذْكُورَةِ لَا إلَى صِفَةٍ لَمْ تُذْكَرْ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ لَوْ تَمَاثَلَا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute