وَتَقُومُ بِهَا، وَهُوَ شَرْطُهَا فَتَعَلَّقَ بِهَا حَتَّى لَمْ يَجِبْ قَصْدًا لَكِنْ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَالْحَدَثِ شَرْطُهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْعَلَ الْحَدَثُ سَبَبًا أَلَا يُرَى أَنَّهُ إزَالَةٌ لَهُ وَتَبْدِيلٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ، وَأَمَّا أَسْبَابُ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ فَمَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ وَزِنًا وَسَرِقَةٍ.
وَسَبَبُ الْكَفَّارَاتِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ بَيْنَ حَظْرٍ، وَإِبَاحَةٍ مِثْلُ الْفِطْرِ، وَقَتْلِ الْخَاطِئِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ
ــ
[كشف الأسرار]
إلَى الصَّلَاةِ شَرْعًا وَعُرْفًا يُقَالُ طَهَارَةُ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ لِلصَّلَاةِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ فِي الْأَصْلِ. وَتَقُومُ بِهَا أَيْ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ بِالصَّلَاةِ حَتَّى وَجَبَتْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهَا، وَهَذَا التَّعَلُّقُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ أَيْضًا، وَهِيَ أَيْ الطَّهَارَةُ شَرْطُ الصَّلَاةِ، وَمَا يَكُونُ شَرْطًا لِلشَّيْءِ كَانَ وُجُوبُهُ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَكَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ ثُبُوتُهَا بِثُبُوتِ النِّكَاحِ.، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَبَعٌ لِلْمَشْرُوطِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَوْ تَعَلَّقَ بِسَبَبٍ آخَرَ كَانَ تَبَعًا لَهُ فَلَا يَبْقَى تَبَعًا لِلْمَشْرُوطِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَدَثِ بَلْ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْحَدَثَ شَرْطُ وُجُوبِهِ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تَحْصِيلُ صِفَةِ الطَّهَارَةِ لِحِلِّ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ حَاصِلَةً لَا يُؤَثِّرُ السَّبَبُ فِي إيجَابِهِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ إذَا كَانَتْ حَاصِلَةً لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا، وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ فَكَذَا هَاهُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِسَبَبٍ أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ مَشْرُوعٌ حَتَّى كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الْحَدَثِ لَا يَجِبُ بِدُونِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْجُنُبَ إذَا حَاضَتْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ مَا لَمْ تَطْهُرْ. حَتَّى لَمْ تَجِبْ قَصْدًا لَكِنَّهَا عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُصَلِّ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ خَاصَمَهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ. أَلَا يُرَى أَنَّهُ أَيْ الْحَدَثَ إزَالَةٌ لَهُ أَيْ لِلْوُضُوءِ وَتَبْدِيلٌ لِصِفَةِ الطَّهَارَةِ بِصِفَةِ النَّجَاسَةِ، وَمَا يَكُونُ رَافِعًا لِلشَّيْءِ، وَمُزِيلًا لَهُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ.
وَلَا يَتَخَالَجْنَ فِي وَهْمِكَ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا شَرْطًا لَهَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا، وَكَوْنَهَا مُضَافَةً إلَى الصَّلَاةِ وَحُكْمًا لَهَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَهَا فَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فَيُضَافُ إلَى الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَكَوْنُهَا شَرْطًا لِلْأَدَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إضَافَةِ وُجُوبِهَا إلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ لِتَغَايُرِهِمَا. وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وُجُوبُهَا مُضَافًا إلَى الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّوَضُّؤُ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ، وَإِرَادَتُهَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ لَا لِشَرْعِيَّتِهَا وَوُجُوبُهَا لَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَوَضَّأَ قَبْلُ وَدَامَ وَصْفُ الطَّهَارَةِ إلَى حَالِ الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِحُصُولِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَدَامَ إلَى حَالِ الْأَدَاءِ إذْ الشَّرْطُ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا وُجُودُهُ قَصْدًا.
[سَبَبُ الْكَفَّارَاتِ]
قَوْلُهُ (وَسَبَبُ الْكَفَّارَاتِ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا مَا أُضِيفَتْ الْكَفَّارَاتُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ أَيْ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ حَظْرٍ، وَإِبَاحَةٍ. مِثْلُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِصِفَةِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ مُبَاحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْعِبَادَةِ مَحْظُورٌ، كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُعْرَفُ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ. وَقَتْلُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ بَلْ قَصْدُ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ مُبَاحٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُقَصِّرٌ مَحْظُورٌ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اصْطِيَادٌ، وَمَحْظُورٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ.
وَكَذَا الِارْتِفَاقُ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالْأَهْلِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَلَالٌ فِي ذَوَاتِهَا إلَّا أَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّفَرِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَتَمَتَّعُ بِأَهْلِهِ، وَمَالِهِ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِمَا لَهُ فَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ التَّمَتُّعَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا السَّفَرِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى السَّفَرِ فَكَانَتْ حَرَامًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا فَدَارَتْ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَصَلُحَتْ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute