للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ جُمْلَةِ مَا يَثْبُتُ بِالْحُجَجِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا سَابِقًا عَلَى بَابِ الْقِيَاسِ شَيْئَانِ الْأَحْكَامُ الْمَشْرُوعَةُ وَالثَّانِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَشْرُوعَةُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ لِلْقِيَاسِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِهَذَا الْبَابِ لِيَكُونَ وَسِيلَةً بَعْدَ أَحْكَامِ طُرُقِ التَّعْلِيلِ أَمَّا الْأَحْكَامُ فَأَنْوَاعٌ حُقُوقُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: خَالِصَةً وَحُقُوقُ الْعِبَادِ خَالِصَةً وَالثَّالِثُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبٌ وَالرَّابِعُ مَا اجْتَمَعَا وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ غَالِبٌ.

وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ.

عِبَادَاتٌ خَالِصَةٌ، وَعُقُوبَاتٌ خَالِصَةٌ، وَعُقُوبَاتٌ قَاصِرَةٌ وَحُقُوقٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَعِبَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمُؤْنَةٌ فِيهَا شُبْهَةُ الْعُقُوبَةِ وَحَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ.

وَالْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ الْإِيمَانُ وَفُرُوعُهُ.

ــ

[كشف الأسرار]

فِي التَّعْلِيلِ أَوْ الْمَنْعِ فَقَدْ أَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ تَصْحِيحَهُ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ فَقَدْ انْقَطَعَ وَأَنَّهُ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَظْهَرُهَا السُّكُوتُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ اللَّعِينِ عِنْدَ إظْهَارِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُجَّتَهُ بِقَوْلِهِ {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: ٢٥٨] .

وَالثَّانِي جَحْدُ مَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً أَوْ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ جَحْدُ مِثْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا عَجْزُهُ عَنْ دَفْعِ عِلَّةِ الْمُعَلِّلِ فَكَانَ انْقِطَاعًا.

وَالثَّالِثُ الْمَنْعُ بَعْدَ تَسْلِيمٍ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمَنْعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَتَنَاقُضِ الْكَلَامِ إلَّا عَجْزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ خَصْمُهُ وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ عَنْ سَهْوٍ أَوْ غَفْلَةٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ وَجْهُ الدَّفْعِ بِطَرِيقِ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ يَبْتَنِي عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكُ مَا سَهَا فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الدَّفْعِ بِطَرِيقِ التَّسْلِيمِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعَجْزِ.

وَالرَّابِعُ عَجْزُ الْمُعَلِّلِ عَنْ تَصْحِيحِ الْعِلَّةِ الَّتِي قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِهَا حَتَّى انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ إظْهَارِ مُرَادِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَجْزِ ابْتِدَاءً عَنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ، ثُمَّ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ إنَّمَا يَكُونُ انْقِطَاعًا فِي حَقِّ الْمُعَلِّلِ دُونَ السَّائِلِ فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ مِنْ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ لَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِكَلَامِ الْمُجِيبِ فَمَا دَامَ فِي الْمُعَارَضَةِ بِدَلِيلٍ يَصْلُحُ مُعَارِضًا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا بِخِلَافِ الْمُجِيبِ إلَيْهِ أُشِيرُ فِي الْمِيزَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ]

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْإِثْبَاتِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ)

لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَحْكَامَ فِي تَلْقِيبِ الْبَابِ كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَحْكَامَ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ عَرْضَهُ مِنْ عَقْدِ الْبَابِ بَيَانُ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ دُونَ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ بِالْحُجَجِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا سَابِقًا أَيْ مَرَّ ذِكْرُهَا قَبْلَ بَابِ الْقِيَاسِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَوْ هُوَ سِيقَ مِنْ السَّوْقِ لَا مِنْ السَّبْقِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ سَابِقًا عَلَى بَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ بِالْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الشَّيْخِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ حُكْمِ الْعِلَّةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ لِلْقِيَاسِ أَيْ لِأَجْلِ الْقِيَاسِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْأَحْكَامُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمٍ مَعْلُومٍ بِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ بِوَصْفٍ مَعْلُومٍ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ بَابِ حُكْمِ الْعِلَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَأَلْحَقْنَاهَا أَيْ تِلْكَ الْجُمْلَةَ يَعْنِي بَيَانَهَا بِهَذَا الْبَابِ وَهُوَ بَابُ الْقِيَاسِ لِيَكُونَ مَعْرِفَتُهَا وَسِيلَةً إلَيْهِ أَيْ إلَى الْقِيَاسِ بَعْدَ أَحْكَامِ طَرَفِ التَّعْلِيلِ وَالْوَسِيلَةُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الْغَيْرِ وَالْجَمْعُ الْوُسُلُ وَالْوَسَائِلُ.

وَلَا يُقَالُ لَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَسِيلَةً إلَى الْقِيَاسِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَبْلَ الْقِيَاسِ إذْ الْوَسَائِلُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَقَاصِدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَوْنُ الْقِيَاسِ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَحُجَّةً مِنْ حُجَجِهِ أَوْجَبَ وَصْلَهُ بِالْحُجَجِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَتَرْتِيبَهُ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ لَزِمَ تَأْخِيرُ بَيَانِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَى الْفَرَاغِ وَإِلْحَاقُهُ بِهِ قَوْلُهُ (حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: الْحَقُّ الْمَوْجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فِي وُجُودِهِ وَمِنْهُ السِّحْرُ حَقٌّ وَالْعَيْنُ حَقٌّ أَيْ مَوْجُودٌ بِأَثَرِهِ وَهَذَا الدَّيْنُ حَقٌّ أَيْ مَوْجُودٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَلِفُلَانِ حَقٌّ فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ أَيْ شَيْءٌ مَوْجُودٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ: وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ لِلْعَالَمِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ وَيُنْسَبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا أَوْ لِئَلَّا يَخْتَصَّ بِهِ أَحَدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>