للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِسْمٌ فِي بَيَانِ نَفْسِ الْخَبَرِ فَأَمَّا الِاتِّصَالُ بِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَى مَرَاتِبَ اتِّصَالٌ كَامِلٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَاتِّصَالٌ فِيهِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ صُورَةً، وَاتِّصَالٌ فِيهِ شُبْهَةٌ صُورَةً، وَمَعْنًى أَمَّا الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى فَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ.

وَهَذَا (بَابُ الْمُتَوَاتِرِ)

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ الَّذِي اتَّصَلَ بِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتِّصَالًا بِلَا شُبْهَةٍ حَتَّى صَارَ كَالْمُعَايَنِ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ

ــ

[كشف الأسرار]

حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْخَبَرِ دُونَ الثَّانِي، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهِ فَقِيلَ إنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّ التَّصَوُّرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَحْسُنُ فِيهِ الْخَبَرُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْسُنُ فِيهِ الْأَمْرُ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْحَقَائِقَ مُتَصَوَّرَةٌ ضَرُورَةً لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَرُدَّ بِأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يَحْسُنُ فِيهِ الْأَمْرُ، وَمَا يَحْسُنُ فِيهِ الْخَبَرُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَقِيلَ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَقِيلَ يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ، وَقِيلَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذِهِ الْحُدُودِ بِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرَ رَسُولِهِ لَا يَدْخُلُهُمَا الْكَذِبُ، وَلَا التَّكْذِيبُ، وَلَا يَحْتَمِلَانِ الْكَذِبَ أَيْضًا فَلَا تَكُونُ جَامِعَةً؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجُبَّائِيُّ، وَمَنْ تَابَعَهُ عَرَّفَ الصِّدْقَ بِأَنَّهُ الْخَبَرُ الْمُوَافِقُ لِمُخْبِرِهِ وَالْكَذِبُ نَقِيضُهُ فَكَانَ تَعْرِيفُهُ الْخَبَرَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ دَوْرًا. وَقِيلَ هُوَ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ إضَافَةَ مَذْكُورٍ إلَى مَذْكُورٍ بِالنَّفْيِ أَوْ بِالْإِثْبَاتِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ قَوْلِك الْغُلَامُ الَّذِي لِزَيْدٍ أَوْ لَيْسَ لِزَيْدٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ عِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْحَدِّ، وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إذْ الْكَلِمَةُ عِنْدَهُ كَلَامٌ. وَمُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ أَمْرَيْنِ حُكِمَ فِيهِ بِنِسْبَةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ نِسْبَةً خَارِجِيَّةً يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا.

وَإِنَّمَا قَالَ أَمْرَيْنِ دُونَ كَلِمَتَيْنِ أَوْ لَفْظَيْنِ لِيَشْمَلَ الْخَبَرَ النَّفْسَانِيَّ.، وَقَالَ حَكَمَ فِيهِ بِنِسْبَةٍ لِيُخْرِجَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ. وَقَالَ يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا لِيُخْرِجَ الْمُرَكَّبَاتِ التَّقْيِيدِيَّةَ، وَقَيَّدَ النِّسْبَةَ بِالْخَارِجِيَّةِ لِيُخْرِجَ الْأَمْرَ وَنَحْوَهُ إذْ الْمُرَادُ بِالْخَارِجِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ النِّسْبَةِ أَمْرٌ خَارِجِيٌّ بِحَيْثُ يُحْكَمُ بِصِدْقِهَا إنْ طَابَقَتْهُ وَبِكَذِبِهَا إنْ خَالَفَتْهُ، وَلَيْسَ لِلْأَمْرِ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّهُ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً خَبَرٌ يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِيَقِينٍ مِثْلُ خَبَرِ الرَّسُولِ وَالْخَبَرُ الْمُوَافِقُ لِلْكِتَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَخَبَرٌ يُعْلَمُ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ مَا بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوْ نَظَرِهِ أَوْ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ كَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ أَخْبَرَ بِمَا يُحِسُّ بِخِلَافِهِ أَوْ أَخْبَرَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ الْقَاطِعَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَخَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ مَا تَرَجَّحَ جَانِبُ صِدْقِهِ كَخَبَرِ الْعَدْلِ، وَمَا تَرَجَّحَ جَانِبُ كَذِبِهِ كَخَبَرِ الْفَاسِقِ، وَمَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ كَخَبَرِ الْمَجْهُولِ.

[بَابُ الْمُتَوَاتِرِ]

فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ خَبَرُ جَمَاعَةٍ مُفِيدٌ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ، وَقَيَّدَ بِنَفْسِهِ لِيُخْرِجَ الْخَبَرَ الَّذِي عُرِفَ صِدْقُ الْقَائِلِينَ فِيهِ بِالْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ وَافَقَ دَلِيلَ الْعَقْلِ أَوْ دَلَّ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَى صِدْقِهِمْ. وَالتَّوَاتُرُ لُغَةً تَتَابُعُ أُمُورٍ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِتْرِ يُقَالُ تَوَاتَرَتْ الْكُتُبُ أَيْ جَاءَتْ بَعْضُهَا فِي إثْرِ بَعْضٍ وِتْرًا وِتْرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْقَطِعَ، وَمِنْهُ جَاءُوا تَتْرَى أَيْ مُتَتَابِعِينَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّيْخُ الْمُتَوَاتِرَ بِقَوْلِهِ اتَّصَلَ بِك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ السُّنَّةِ إذْ هُوَ فِي بَيَانِ أَقْسَامِهَا فَأَمَّا تَعْرِيفُ نَفْسِ الْمُتَوَاتِرِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الْقَيْدِ كَالْخَبَرِ عَنْ الْبُلْدَانِ الْقَاصِيَةِ وَالْمُلُوكِ الْمَاضِيَةِ. ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ تَكَثُّرَ الْمُخْبِرِينَ كَثْرَةً تَمْنَعُ صُدُورَ الْكَذِبِ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ وَعَلَى سَبِيلِ الْمُوَاضَعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ أَيْ تَوَافُقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا أَخْبَرُوا عِلْمًا يَسْتَنِدُ إلَى الْحِسِّ لَا إلَى غَيْرِهِ كَدَلِيلِ الْعَقْلِ مَثَلًا فَإِنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ لَوْ أَخْبَرُوا عَنْ حَدَثِ الْعَالَمِ لَا يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ. وَأَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُونَ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ مُسْتَوِينَ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ أَعْنِي فِي الْكَثْرَةِ وَالِاسْتِنَادِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرُ بِقَوْلِهِ وَيَدُومُ هَذَا الْحَدُّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّ عَدَدٍ يَحْصُلُ مَعَهُ الْعِلْمُ فَقِيلَ هُوَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>