للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى النَّصِّ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ عِلَّةً لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عِلَّةٍ وَأَمَّا الثَّابِتُ بِإِشَارَةِ النَّصِّ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا يَخُصُّ

ــ

[كشف الأسرار]

أَيْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ وَأَنَّهُ فِيمَا وَرَاءَ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّ الْفِرَاشَ فِيهَا ثَبَتَ مُقْتَضًى لِلنَّسَبِ وَقَدْ ظَهَرَ ثُبُوتُهُ فِيمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْإِرْثُ فَقَالَ قَدْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ ثَبَتَ مُقْتَضًى إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ لَا يُقَالُ نِكَاحٌ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَنِكَاحٌ لَا يُوجِبُهُ بَلْ الْإِرْثُ مِنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامُهُ كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ مُقْتَضًى ثَبَتَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِرْثُ مِثْلُ النِّكَاحِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَصْدًا.

أَلَا تَرَى أَنَّ بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَمَّا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ الثَّابِتِ مُقْتَضًى أَيْضًا كَالْمَالِكِ مِثْلُ مَا إذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ لِمَوْلَى زَوْجِهَا: أَعْتِقْ عَبْدَك هَذَا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِمَوْلَى مَنْكُوحَتِهِ: أَعْتِقْ أَمَتَك هَذِهِ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ يَثْبُتُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ فَكَذَا هَذَا.

وَلَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِرْثَ مِنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِهِ كَنِكَاحِ الْكَافِرَةِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا امْتَنَعَ الْإِرْثُ هُنَاكَ بِعَارِضِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ كَمَا يَمْتَنِعُ الْحِلُّ بِعَارِضِ الظِّهَارِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَيْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ كَانَ الْإِرْثُ ثَابِتًا بِذَلِكَ النِّكَاحِ مِثْلَ ثُبُوتِ الْحِلِّ بِزَوَالِ تِلْكَ الْعَوَارِضِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْإِرْثِ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَثْبُتْ الْإِرْثُ بِهِ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ثُبُوتَ النِّكَاحِ هَاهُنَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا بِمُقْتَضَاهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وَلَدٌ فِينَا إلَّا بِوَالِدٍ وَوَالِدَةٍ فَكَانَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَلَدِ تَنْصِيصًا عَلَى الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ دَلَالَةً كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَخِ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى أَخٍ آخَرَ إذْ الْأُخُوَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَيْنَ شَخْصَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثَّابِتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ يَكُونُ ثَابِتًا بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً لَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ مَعَ أَنَّ اقْتِضَاءَ النِّكَاحِ هَاهُنَا كَاقْتِضَاءِ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ وَبَعْدَمَا ثَبَتَ الْعَقْدُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ بَاقِيًا لَا بِاعْتِبَارِ دَلِيلٍ مُسْبَقٍ بَلْ لِانْعِدَامِ دَلِيلٍ مُزَيَّلٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُنْتَهٍ بَيْنَهُمَا بِالْوَفَاةِ وَانْتِهَاءُ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فَيَصِيرُ فِي حَالِ بَقَائِهِ مِثْلَ النِّكَاحِ الْمَعْقُودِ قَصْدًا.

[الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ]

قَوْلُهُ (وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ أَيْضًا) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْعُمُومَ فَكَذَا الثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْصِيصِ بَيَانٌ أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ ثَابِتٌ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً وَبَعْدَمَا كَانَ مَعْنَى النَّصِّ مُتَنَاوِلًا لَهُ لُغَةً لَا يَبْقَى احْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ إخْرَاجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِيهِ بِدَلِيلٍ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا وَأَمَّا الثَّابِتُ بِإِشَارَةِ النَّفْسِ فَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى الْعُمُومِ مِمَّا يَكُونُ سِيَاقُ الْكَلَامِ لِأَجْلِهِ فَأَمَّا مَا يَقَعُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ سِيَاقُ الْكَلَامِ لَهُ فَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالنَّصِّ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَسَعُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>