وَأَبْعَدُهُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا مَعَ ذَلِكَ
ــ
[كشف الأسرار]
الْحَلَالِ إلَى وَقْتِ التَّكْفِيرِ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُهُ الْمَنْعَ وَبَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ يَثْبُتُ الْمَنْعُ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَيَبْقَى الظِّهَارُ إلَّا أَنَّ ابْتِدَاءَ الظِّهَارِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ مُتَصَوَّرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَفِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَعِلْمُهُ فِي إبْطَالِ الْحِلِّ وَقَطْعِ الْمِلْكِ وَبَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ فَاتَ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ فَأَمَّا الْإِيلَاءُ الْمُعَلَّقُ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُحَلَّلَةً فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْإِيلَاءُ الْمُنَجَّزُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَقَدْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِالشَّرْطِ فَإِنَّ الْيَمِينَ لَا تَبْطُلُ وَقَدْ بَطَلَ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ وَبِأَنَّ الْأَمَةَ إذَا اُسْتُوْلِدَتْ حَتَّى تَعَلَّقَ عِتْقُهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ وَعَادَتْ إلَى الْمَوْلَى اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ حَتَّى بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهَا وَلَوْ ارْتَدَّا جَمِيعًا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا بَقِيَتْ الْمَحَلِّيَّةُ بَقِيَتْ الْيَمِينُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْعِتْقَ حِينَ وَقَعَ بَطَلَ التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ وَبِالْمِلْكِ ثَانِيًا لَا يَعُودُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عِتْقٌ آخَرُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَهُ وَهُوَ قِيَامُ نَسَبِ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنْ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ الْآنَ لِقِيَامِ النَّسَبِ فِي الْحَالِ وَمَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا ذُكِرَ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا لَمَّا عَجَزُوا عَنْ الْجَوَابِ حِينَ أُورِدَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقْضًا أَنْكَرُوا صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فَقَالَ الشَّيْخُ: لَا وَجْهَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَفِي إيمَانِ الْجَامِعِ نُصَّ فِي نَظِيرِهِ أَيْ نَظِيرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِحُرَّةٍ إنْ ارْتَدَدْتِ فَسُبِيَتْ فَمَلَكْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ كَانَ كَذَلِكَ فَمَلَكَهَا عَتَقَتْ قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: قَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّ إيجَابَ التَّحْرِيرِ بِالْيَمِينِ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَدْ صَحَّ اسْتِئْنَافُهُ هَاهُنَا عِنْدَ عَدَمِهِ وَهَذَا نَصٌّ قَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ قَبْلَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ إذَا عَلَّقَهُ بِالنِّكَاحِ وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْضَحُ نَصٍّ فِي هَذَا كَذَا فِي أَيْمَانِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ.
[مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ]
قَوْلُهُ (وَأَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ) إلَى آخِرِهِ يَعْنِي حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَبْعَدُ مِنْ الصَّوَابِ مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي سَبَقَ تَقْرِيرُهَا لِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ النَّفْيِ إلَى النَّصِّ الْمُوجِبِ وَإِبْطَالَ الْإِطْلَاقِ بِمَا هُوَ سَاكِتٌ فَكَانَ الْخَطَأُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَفِيمَا سَبَقَ الْخَطَأُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إضَافَةُ النَّفْيِ إلَى الْمُوجِبِ فَلِهَذَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الصَّوَابِ وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُعْتَرِضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ وَالْمُقَيَّدُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَدْلُولِ الْمُطْلَقِ بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ وَقِيلَ: الْمُطْلَقُ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ مِثْلُ رَجُلٍ وَرَقَبَةٍ فَيَخْرُجُ عَنْ التَّعْرِيفِ الْمَعَارِفُ لِكَوْنِهَا غَيْرَ شَائِعَةٍ لِتَعَيُّنِهَا بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ أَنْتَ مَثَلًا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُعَيَّنٌ وَيَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالنَّكِرَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ مِثْلُ كُلِّ رَجُلٍ وَنَحْوِهِ لِاسْتِغْرَاقِهَا إذْ الْمُسْتَغْرَقُ لَا يَكُونُ شَائِعًا فِي جِنْسِهِ وَالْمُقَيَّدُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَدْلُولٍ مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute