للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ فِلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِيرَ مُقِرًّا بِحَقِّ الْأُمِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَحْرِيرٌ مُبْتَدَأٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً حَتَّى قُلْنَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي رَجُلَيْنِ وَرِثَا عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنَهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مُضَافٌ إلَى خَبَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ قَائِمٌ بِخَبَرِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ مَجَازًا عَنْ التَّحْرِيرِ وَحَقُّ الْأُمِّ لَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ بِابْتِدَاءِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ إثْبَاتُ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ قَوْلًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُكْمِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِدُونِهِ.

وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وُضِعَ لِمَعْنَاهُ فَيَبْطُلُ إذَا اسْتَحَالَ حُكْمُهُ وَمَعْنَاهُ

ــ

[كشف الأسرار]

عَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ حَيْثُ عَتَقُوا مِنْ الثُّلُثِ بِحِسَابِ حَقِّهِمْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ رَقَبَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَا عَشَرَ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي رُبُعِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَحَقُّ الثَّانِي فِي ثُلُثِهِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَهِيَ تِسْعَةٌ فَصَارَتْ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَثُلُثُ الْمَالِ سِتَّةَ عَشَرَ فَقَدْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ سِهَامِ الْوَصَايَا فَنَجْعَلُ الثُّلُثَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالْمَالَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَنَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ الثُّلُثِ لِيَظْهَرَ لَنَا مِقْدَارَ مَا يَعْتِقُ عَنْهَا وَمِقْدَارَ مَا يَسْعَى فِيهِ فَنَقُولُ إنَّ ثُلُثَ الْمَالِ رَقَبَةٌ وَثُلُثَ الرَّقَبَةِ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلَيْسَ لِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رُبُعٌ صَحِيحٌ فَنَضْرِبُهُ فِي أَرْبَعَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً وَالْمَالُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَالرَّقَبَةُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِائَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ كَانَ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي ثُلُثِهِ فَضَرَبْنَاهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَ اثْنَيْ عَشَرَ وَصَارَ حَقُّ الثَّانِي سِتَّةَ عَشَرَ وَصَارَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ فِي الْبَاقِي فَحَصَلَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْمُصَنَّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ) يَعْنِي مَهْمَا أَمْكَنَ فِي الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ النَّسَبِ يُعْمَلُ بِهَا فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي وَيُجْعَلُ الْعِتْقُ ثَابِتًا بِالنَّسَبِ لَا أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا فِي الْحُرِّيَّةِ فَيَثْبُتُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ بِهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْعَلُهُ مَجَازًا فِي الْحُرِّيَّةِ.

وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا فِي الْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ كَمَا بَيَّنَّا فَيَحْصُلَ مُقِرًّا بِأَنَّ أُمَّ الْغُلَامِ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ حُكْمُ النَّسَبِ كَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ حُكْمُهُ فَكَمَا جُعِلَ قَوْلُهُ هَذَا ابْنِي مَجَازًا لِلْإِقْرَارِ بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ يُجْعَلُ مَجَازًا لِلْإِقْرَارِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَتَقَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْته، وَأُمُّهُ أُمَّ وَلَدِي وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا ابْنِي بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيرٍ مُبْتَدَأٌ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامًا هُوَ سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي مِلْكِهِ فَيَصِيرُ بِهِ مُعْتَقًا ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ رَجُلَانِ عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنَهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً لِمَا غَرِمَ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا وَرِثَا قَرِيبَ أَحَدِهِمَا لَا يَضْمَنُ وَارِثُ الْقَرِيبِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَا يَصِيرُ أُمُّ الْغُلَامِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِتَحْرِيرِ الْغُلَامِ ابْتِدَاءُ تَأْثِيرٍ فِي إيجَابِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا فِي إنْشَاءِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ قَوْلًا بِأَنْ يَقُولَ جَعَلْتُك أُمَّ وَلَدٍ أَوْ أَنْشَأْت فِيك أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ حُكْمِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِيلَادُ.

وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً يَعْنِي ثُبُوتَ النَّسَبِ مُضَافٌ إلَى خَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ خَبَرِهِ فَيُقْصَرُ عَلَى وَقْتِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ فِي حَقِّ عِلْمِ السَّامِعِ قَائِمٌ أَيْ ثَابِتٌ بِخَبَرِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ إذَا كَانَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مُضَافًا إلَى خَبَرِهِ جُعِلَ هَذَا الْخَبَرُ مَجَازًا عَنْ التَّحْرِيرِ أَيْ فِي التَّحْرِيرِ أَوْ عِبَارَةً عَنْهُ أَوْ كِنَايَةً عَنْهُ.

وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ إذَا أُكْرِهَ أَنْ يَقُولَ هَذَا ابْنِي لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَالْإِكْرَاهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ لَا صِحَّةَ التَّحْرِيرِ ابْتِدَاءً وَوُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى بِطَرِيقِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ كَالْإِنْشَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَتَقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْته كَانَ ضَامِنًا لِشَرِيكِهِ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ الضَّمَانَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْإِنْشَاءِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[قَدْ يَتَعَذَّرُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُمْتَنِعًا]

قَوْلُهُ (وَقَدْ يَتَعَذَّرُ) أَيْ وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>