فَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الزِّنَا قَبِلْنَاهَا وَأَقَمْنَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا وَأَبْطَلْنَا عَلَى الْقَاذِفِ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ تَقَادَمَ الْعَهْدُ لَمْ نُقِمْ الْحَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَأَبْطَلْنَا رَدَّ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَاذِفِ كَذَلِكَ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى غَيْرَ فَصْلِ التَّقَادُمِ وَيَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ.
(بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ) :
وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْبَشَرِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعَقْلِ أَهُوَ مِنْ الْعِلَلِ الْمُوجِبَةِ أَمْ لَا فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّ الْعَقْلَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِمَا اسْتَحْسَنَهُ مُحَرِّمَةٌ
ــ
[كشف الأسرار]
قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ النُّصْرَةَ فَكَذَا لَا يَتَحَقَّقُ الْعَدَمُ إلَّا فِي آخِرِ الْعُمُرِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْإِتْيَانِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ حُكْمٍ قَدْ ظَهَرَ وَهُوَ الْحَدُّ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ مَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى إقَامَةِ الشُّهُودِ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعَجْزُ الْخَالِي كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ لَا الْعَجْزُ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ إذْ لَوْ شُرِطَ الْعَجْزُ فِي الْعُمُرِ لَمْ يَبْقَ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ فَائِدَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ إقَامَتُهُمَا عَلَى الْقَاذِفِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَوْلُهُ (فَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاذِفِ الْحَدُّ يَعْنِي لَمَّا ظَهَرَ عَجْزُهُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَقْذُوفِ لَمْ يَبْطُلْ احْتِمَالُ الْحِسْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْقَاذِفِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ يُقْبَلُ وَيُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ إنْ لَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ وَيَصِيرُ الْقَاذِفُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ كَانَ بِحَسْبِ ظُهُورِ عَجْزِهِ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ تَقَادَمَ الْعَهْدُ لَمْ نُقِمْ الْحَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعٌ مِنْ الْقَبُولِ فِي حَقِّ الْحَدِّ وَأَبْطَلْنَا رَدَّ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَاذِفِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ التَّقَادُمِ فِيهِ بِالْمَنْعِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِسَرِقَةٍ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَدِّ.
كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى أَيْ مِثْلُ مَا أَجَبْنَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَبُو الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيِّ الْجَوَابَ فِي الْمُنْتَقَى غَيْرَ فَصْلِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَيْ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مَذْكُورٌ فِيهِ دُونَ الثَّانِي هَذَا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ هَذَا الْكَلَامِ
وَالْمَفْهُومُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّقَادُمَ مَذْكُورٌ فِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ يَصِيرُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْرَدَ ذَلِكَ فِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ هَذَا قَوْلُ أَحَدِهِمَا وَقَوْلُ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ حُكْمٌ بِكَذِبِ الشُّهُودِ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا وَكُلُّ شَهَادَةٍ جَرَى الْحُكْمُ بِتَعَيُّنِ جِهَةِ الْكَذِبِ فِيهَا لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً أَصْلًا كَالْفَاسِقِ إذَا شَهِدَ فِي حَادِثَةٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ قَوْلُهُ (وَيَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ بِبَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَشْرُوعَةُ مِنْ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ وَالْعَلَامَةِ.
[بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ]
لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ عَدِيمِ الْعَقْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ أَوْ يَتَّصِلُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى هَاهُنَا بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ لِأَنَّهَا بَيَانُ خِطَابَاتِ الشَّارِعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْخِطَابُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَكَانَ بَيَانُ الْعَقْلِ وَأَحْكَامُهُ مِنْ اللَّوَازِمِ (قَوْلُهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ) أَيْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ فِي كَذَا فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعَقْلُ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِمَا اسْتَحْسَنَهُ مِثْلَ مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَإِنْقَاذِ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى مُحَرِّمَةٌ لِمَا اسْتَقْبَحَهُ مِثْلَ الْجَهْلِ بِالصَّانِعِ جَلَّ جَلَالُهُ وَالْكُفْرَانِ بِنَعْمَائِهِ وَالْعَبَثِ وَالسَّفَهِ وَالظُّلْمِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute