للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ حَتَّى يَعْتِقَ الثَّالِثُ كُلُّهُ وَنِصْفُ الثَّانِي كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ إصَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِي مُقَابَلَةِ إصَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَأَمْثِلَةُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى.

وَإِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ أَمَّا الْمُتَعَذِّرُ فَمِثْلُ الرَّجُلِ يَحْلِفُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ الْكَرْمَةِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا يَتَّخِذُ مِنْهُ مَجَازًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَائِمَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ وَقَعَ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْكَرْعِ وَهُوَ حَقِيقَتُهُ لِمَا قُلْنَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَكَلَ عَيْنَ الدَّقِيقِ أَوْ تَكَلَّفَ فَكَرَعَ مِنْ الْبِئْرِ فَقِيلَ لَمَّا كَانَ مُتَعَذِّرًا لَمْ يَكُنْ مُرَادًا

ــ

[كشف الأسرار]

أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْأَحْوَالَ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْحُرِّيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ وَحُكْمُهَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَةِ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَهُ كَانَتْ حُرِّيَّتُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا مُنَافَاةٌ وَكَذَلِكَ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّةِ الْعِتْقِ مُنَافَاةٌ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا فَلِهَذَا قَالَ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ) يَعْنِي الْأَوْسَطَ وَالْأَصْغَرَ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ أَيْ إصَابَةَ الْعِتْقِ إيَّاهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِوَاسِطَةٍ وَمُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا تَوَقُّفَ الْمَجَازِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَا يُصِيبُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ يَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ حُرًّا كُلُّهُ أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ.

[إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ]

قَوْلُهُ (مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ مَهْجُورَةٌ) الْمُتَعَذِّرَةُ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَأَكْلِ النَّخْلَةِ، وَالْمَهْجُورَةُ مَا يَتَيَسَّرُ إلَيْهِ الْوُصُولُ وَلَكِنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ كَوَضْعِ الْقَدَمِ وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ وَالْمَهْجُورُ قَدْ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ إذَا صَارَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ.

قَوْلُهُ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَيَمِينُهُ تَقَعُ عَلَى عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ كَالرِّيبَاسِ وَقَصَبِ السُّكْرِ الرَّطْبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى ثَمَرَتِهَا إنْ كَانَتْ لَهَا ثَمَرَةٌ كَالنَّخْلَةِ وَالْكَرْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَرَةٌ فَعَلَى ثَمَنِهَا كَالْخِلَافِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ) إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ وَهِيَ مَلِيءٍ فَيَمِينُهُ تَقَعُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عَلَى الِاغْتِرَافِ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ عَلَى الِاغْتِرَافِ كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِئَ فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَافِ لَا عَلَى الْكَرْعِ بِالِاتِّفَاقِ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ فَإِنْ تَكَلَّفَ فَكَرَعَ مِنْهَا قِيلَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا صَارَتْ مَوْجُودَةً لَمْ تَبْقَ مُتَعَذِّرَةً فَكَانَ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَلِأَنَّهَا إذَا صَارَتْ مَوْجُودَةً وَانْتَفَى التَّعَذُّرُ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي عُمُومِ الْمَجَازِ هُوَ شُرْبُ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْبِئْرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْفُرَاتِ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَمَّا صَارَ مُرَادًا لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمَجَازِ وَهُوَ إرَادَةُ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْفُرَاتِ تَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْكَرْعُ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ فَمَجَازُهَا وَهُوَ إرَادَةُ الِاغْتِرَافِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَقِيقَةَ فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ.

وَإِنَّمَا جَعَلَ كَلَامَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفُرَاتِ عِبَارَةً عَنْ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْكَرْعُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا كَالِاغْتِرَافِ فَجُعِلَ عِبَارَةً عَنْ الْمَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْفُرَاتِ لِيَتَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ فَالْحَقِيقَةُ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ الْعُرْفُ فِيهَا الِاغْتِرَافُ لَا غَيْرُ فَجُعِلَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْكَرْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>