للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابُ الْإِجْمَاعِ)

الْكَلَامُ فِي الْإِجْمَاعِ فِي رُكْنِهِ وَأَهْلِيَّةِ مَنْ يَنْعَقِدُ بِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ وَسَبَبِهِ وَأَمَّا رُكْنُهُ فَنَوْعَانِ عَزِيمَةٌ وَرُخْصَةٌ أَمَّا الْعَزِيمَةُ فَالتَّكَلُّمُ مِنْهَا بِمَا يُوجِبُ الِاتِّفَاقَ مِنْهُمْ أَوْ شُرُوعَهُمْ فِي الْفِعْلِ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَازُ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَخَالَفَ مَسْرُوقٌ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ فَأَوْجَبَ مَسْرُوقٌ فِيهِ شَاةً بَعْدَمَا أَوْجَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ مَسْرُوقٍ وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: سَلُوا عَنْهَا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: سَلُوا عَنْهَا مَوْلَانَا الْحَسَنَ فَثَبَتَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُسَوِّغُونَ الِاجْتِهَادَ لِلتَّابِعِينَ وَيَرْجِعُونَ إلَى أَقْوَالِهِمْ وَيَعُدُّونَهُمْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ تَقْلِيدُهُمْ كَتَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ السَّمَاعِ وَلِفَضْلِ إصَابَتِهِمْ فِي الرَّأْيِ بِبَرَكَةِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَانِكَ مَفْقُودَانِ فِي حَقِّ التَّابِعِيِّ.

وَإِنْ بَلَغَ الِاجْتِهَادَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ الْأَمْثِلَةِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ صَارُوا مِثْلَهُمْ فِي الْفَتْوَى وَزَاحَمُوهُمْ فِيهَا وَأَنَّ الصَّحَابَةَ سَلَّمُوا لَهُمْ الِاجْتِهَادَ وَلَكِنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا وُجُوبُ التَّقْلِيدِ مِنْ احْتِمَالِ السَّمَاعِ وَمُشَاهَدَةِ أَحْوَالِ التَّنْزِيلِ وَبَرَكَةِ صُحْبَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّهِمْ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ بِحَالٍ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى وَجْهٍ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا جَاءَنَا عَنْ التَّابِعِينَ زَاحَمْنَاهُ يَعْنِي فِي الْفَتْوَى فَنُفْتِي بِخِلَافِ رَأْيِهِمْ بِاجْتِهَادِنَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ قَوْلَهُ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى لَا يَتِمَّ إجْمَاعُهُمْ مَعَ خِلَافِهِ فَعِنْدَنَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَعْتَبِرْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَالشَّيْخُ اعْتَبَرَهَا وَأَثْبَتَ الْخِلَافَ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ أَبِي حَنِيفَةَ أَقْوَالَهُمْ فِي الْمَسَائِلِ قُلْنَا: إنَّمَا ذَكَرَهَا لِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ بِهَذَا الْقَوْلِ مُخْتَرِعًا بَلْ سَبَقَهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَأَنَّهُ وَافَقَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ لَا لِبَيَانِ أَنَّهُ يُقَلِّدُهُمْ وَالْأَبْظَرُ هُوَ الَّذِي فِي شَفَتَيْهِ بُظَارَةٌ وَهِيَ هِنَّةٌ نَابِتَةٌ فِي وَسَطِ الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَلَا تَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَقِيلَ الْأَبْظَرُ الصِّحَارُ الطَّوِيلُ اللِّسَانِ وَجَعَلَهُ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ سَبْيُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْإِجْمَاعِ]

[أَرْكَان الْإِجْمَاع]

(بَابُ الْإِجْمَاعِ) الْإِجْمَاعُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْعَزْمُ يُقَالُ: أَجْمَعَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: ٧١] أَيْ اعْزِمُوا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لَمَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» أَيْ لَمْ يَعْزِمْ، وَالِاتِّفَاقُ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى كَذَا أَيْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مُتَصَوَّرٌ مِنْ وَاحِدٍ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الِاثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا وَفِي الشَّرِيعَةِ قِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اتِّفَاقِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُوجَدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُمْلَةُ مَنْ اتَّبَعَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ مِنْهُمْ، فَإِنَّمَا هُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِأَحَدٍ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ خَلَا عَصْرٌ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَاتَّفَقُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>