وَأَمَّا (عَلَى) فَإِنَّهَا وُضِعَتْ لِوُقُوعِ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَعُلُوِّهِ فَوْقَهُ فَصَارَ هُوَ مَوْضُوعًا لِلْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَنَّهُ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَصِلَ بِهِ الْوَدِيعَةَ فَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ كَانَتْ بِمَعْنَى الْبَاءِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ لِأَنَّ اللُّزُومَ يُنَاسِبُ الْإِلْصَاقَ فَاسْتُعِيرَ لَهُ وَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الطَّلَاقِ كَانَتْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى أَنَّ مَنْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ
ــ
[كشف الأسرار]
فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ وَغَيْرِهِ.
[مَعْنَى عَلَى]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا عَلَى) إلَى آخِرِهِ كَلِمَةُ عَلَى وُضِعَتْ لِلِاسْتِعْلَاءِ وَمِنْهُ يُقَالُ فُلَانٌ عَلَيْنَا أَمِيرٌ لِأَنَّ لِلْأَمِيرِ عُلُوًّا وَارْتِفَاعًا عَلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا يُخَاطَبُ بِالْمَجْلِسِ الْعَالِي وَالرَّفِيعِ وَيُقَالُ زَيْدٌ عَلَى السَّطْحِ لِتَعَلِّيهِ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ عَلَى فُلَانٍ دَيْنٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَسْتَعْلِي مَنْ يَلْزَمُهُ وَلِذَا يُقَالُ رَكِبَهُ دَيْنٌ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَصَارَ مَوْضُوعًا لِلْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَعْنِي لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَوْضُوعَةً لِلِاسْتِعْلَاءِ وَالِاسْتِعْلَاءُ فِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فِي الْإِيجَابِ دُونَ غَيْرِهِ كَانَتْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْإِيجَابِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ. أَنَّهُ دَيْنٌ أَيْ الثَّابِتُ بِهِ دَيْنٌ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ فِيهِ. إلَّا أَنْ يَصِلَ بِهِ الْوَدِيعَةَ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ وَدِيعَةٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ لِأَنَّ عَلَى يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْوَدِيعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي الْوَدِيعَةِ وُجُوبَ الْحِفْظِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ.
وَقَوْلُهُ إنَّهُ دَيْنٌ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَوْ قِيلَ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَعِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَوْضَحُ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا عَلَى فَلِلْإِلْزَامِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ لِأَنَّ مَعْنَى حَقِيقَةِ الْكَلِمَةِ مِنْ عُلُوِّ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ وَارْتِفَاعِهِ فَوْقِهِ وَذَلِكَ قَضِيَّةُ الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّ مُطَلَّقَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَصِلَ بِكَلَامِهِ وَدِيعَةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ اللُّزُومِ فِي الدَّيْنِ.
ثُمَّ أَنَّهَا قَدْ تُسْتَعَارُ لِلْبَاءِ لِأَنَّ اللُّزُومَ يُنَاسِبُ الْإِلْصَاقَ فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا لَزِمَ الشَّيْءَ كَانَ مُلْتَصِقًا بِهِ لَا مَحَالَةَ وَلِأَنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُوصِلُ الْفِعْلَ إلَى الِاسْمِ. قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ عَلَى فِي قَوْلِك مَرَرْت عَلَى زَيْدٍ أَوْصَلَ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مَرَرْت إلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ كَمَا يَفْعَلُ الْبَاءُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ لَازِمًا عِنْدَ وُجُودِهِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ. فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمُفَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ وَهِيَ الَّتِي تَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ. وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ. وَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَانَتْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمَّا تَعَذَّرَ بِحَقِيقَتِهَا تُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَهُوَ الْبَاءُ لِمَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ مِنْ اللُّزُومِ وَالِاتِّصَالِ فِي الْوُجُوبِ وَلَا تُحْمَلُ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا تَحْتَمِلُهُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ. وَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الطَّلَاقِ كَانَتْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ يَثْبُتُ مَعَ مُقَابِلِهِ بِطَرِيقِ الْمُقَارَنَةِ كَالْأَخِ مَعَ الْأَخِ وَالْجَارِ مَعَ الْجَارِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مُقَابِلًا لِشَيْءٍ قَبْلَ مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إيَّاهُ وَثُبُوتُ الْعِوَضِ مَعَ الْمُعَوَّضِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْمُعَاقَبَةِ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ كَالْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَقَّبَهُ الْمَشْرُوطُ ثُمَّ إنَّ أَجْزَاءَ الْعِوَضِ يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ فَيُقَابَلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْعِوَضِ جُزْءًا مِنْ الْمُعَوَّضِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَشْرُوطِ وَالشَّرْطِ بِطَرِيقِ الْمُعَاقَبَةِ فَلَوْ ثَبَتَ الِانْقِسَامُ لَزِمَ تَقَدُّمُ جُزْءٍ مِنْ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ تَعَلَّقَتْ الطَّلْقَتَانِ بِدُخُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute