فَأَمَّا النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ فَإِنَّهَا تَخُصُّ عِنْدَنَا وَلَا تَعُمُّ إلَّا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ تُوجِبُ الْعُمُومَ أَيْضًا حَتَّى قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] أَنَّهَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ وَالْبَيْضَاءَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْكَافِرَةَ وَالْمُؤْمِنَةَ وَالصَّحِيحَةَ وَالزَّمِنَةَ وَقَدْ خَصَّ مِنْهَا الزَّمِنَةَ بِالْإِجْمَاعِ فَصَحَّ تَخْصِيصُ الْكَافِرَةِ مِنْهَا بِالْقِيَاسِ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ قُلْنَا نَحْنُ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ لَا عَامَّةٌ؛ لِأَنَّهَا فَرْدٌ فَيَتَنَاوَلُ وَاحِدًا عَلَى احْتِمَالِ وَصْفٍ دُونَ وَصْفٍ وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ فَصَارَ نَسْخًا
ــ
[كشف الأسرار]
وَشَتَمَك لَمْ يَعْتِقْ إلَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ مُسْتَفْهِمًا أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك لَا يَسْتَقِيمُ الْجَوَابُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ قَبْلُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعُمُومَ فِيهِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الصِّفَةِ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا عَمَّ لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّعْمِيمِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لِإِبْهَامِهَا تَحْتَاجُ إلَى صِلَةٍ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ صَارَ الْفِعْلُ الَّذِي جُعِلَ صِلَةً لَهَا هُوَ الشَّرْطُ حَقِيقَةً فَيَعُمُّ هَذَا الْفِعْلُ لِصَيْرُورَتِهِ شَرْطًا وَلَمَّا عَمَّ هَذَا الْفِعْلُ وَهُوَ مُسْنَدٌ إلَى مُبْهَمٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ عَمَّ مَا أُسْنِدَ إلَيْهِ ضَرُورَةً حَتَّى لَوْ كَانَتْ الصِّلَةُ مُسْنَدَةً إلَى غَيْرِهِ قَائِمًا بِهِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ عُمُومَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَصَارَ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ النَّكِرَةَ تَعُمُّ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ وَفِيمَا إذَا وَقَعَ الْوَصْفُ الْعَامُّ شَرْطًا وَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ تَعُمُّ النَّكِرَةَ بِالْوَصْفِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ وَالنَّظَائِرِ لَكِنْ فِي عَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ ذَكَرَ هَذَا الْأَصْلُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ مُخَالَفَةِ الْعَامَّةِ.
[النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ فِي مَوْضِعِ إثْبَاتٍ]
قَوْلُهُ (فَأَمَّا النَّكِرَةُ الْمُفْرَدَةُ) لَمَّا فَرَغْت مِنْ بَيَانِ مَا هُوَ عَامٌّ بِنَفْسِهِ وَمَا هُوَ عَامٌّ بِغَيْرِهِ وَهُوَ النَّكِرَةُ الَّتِي لَحِقَهَا بَعْضُ دَلَائِلِ الْعُمُومِ شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَقَالَ. فَأَمَّا النَّكِرَةُ الْمُفْرَدُ أَيْ الْمُفْرَدَةُ صِيغَةً وَمَعْنًى فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَقَوْمٍ وَرَهْطٍ مُنَكَّرَاتٍ. أَوْ الْمُطْلَقَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ دَلَائِلِ الْعُمُومِ فَإِنَّهَا تَخُصُّ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ وَلَا تَعُمُّ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِلْجَانِبَيْنِ تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ الْخِلَافِ. إلَّا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ. نَفَى الْعُمُومَ عَنْهَا وَأَثْبَتَ الْإِطْلَاقَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ أَنَّ الْمُطْلَقَ دَلَالَتُهُ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّيْءِ وَمَاهِيَّتِه مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَيْدٍ زَائِدٍ وَالْعَامُّ هُوَ الدَّالُّ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَعَ التَّعَرُّضِ لِلْكَثْرَةِ الْغَيْرِ الْمُتَعَيِّنَةِ كَالنَّاسِ فَالنَّكِرَةُ مُطْلَقَةٌ لَا عَامَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ دُونَ التَّكَثُّرِ. وَبَعْضُهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ فَقَالُوا الْمَاهِيَّةُ فِي ذَاتِهَا لَا وَاحِدَةً وَلَا لَا وَاحِدَةً وَلَا كَثِيرَةً وَلَا لَا كَثِيرَةً فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَيْدٍ مَا هُوَ الْمُطْلَقُ. وَمَعَ التَّعَرُّضِ لِكَثْرَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ أَلْفَاظُ الْأَعْدَادِ. وَلِكَثْرَةٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنَةٍ هُوَ الْعَامُّ وَلِوَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ الْمَعْرِفَةُ وَلِوَحْدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ النَّكِرَةُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ كَمَا أَشَارَ الشَّيْخُ إلَيْهِ إذْ تَمْثِيلُ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ الْمُطْلَقَ بِالنَّكِرَةِ فِي كُتُبِهِمْ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ أَيْ النَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ تُوجِبُ الْعُمُومَ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ إذَا كَانَ خَبَرًا لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَقَوْلِك جَاءَنِي رَجُلٌ وَإِذَا كَانَ امْرَأً فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لِلْعُمُومِ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ رَقَبَةً.
وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَعُمُّ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ رَجُلٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ رَجُلٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ يَعُمُّ مِنْ حَيْثُ الصَّلَاحِيَةُ لِكُلِّ فَرْدٍ فَمَنْ قَالَ بِالْعُمُومِ وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} [النحل: ٤٠] الْآيَةَ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِشَيْءٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ شَامِلَةٌ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مُحِيطَةٌ بِهَا كُلِّهَا وَبِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِإِعْتَاقِ أَيُّهَا كَانَ وَلَوْلَا أَنَّهَا لِلْعُمُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute