للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ ظَهَرَ فَتْوَاهُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ كَانَ مِثْلَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِتَسْلِيمِهِمْ مُزَاحَمَتَهُ إيَّاهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ وَهُوَ دُونَهُمْ لِعَدَمِ احْتِمَالِ التَّوْقِيفِ فِيهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ شُرَيْحًا خَالَفَ عَلِيًّا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْحَسَنِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ لَهُ فِي الْمَشُورَةِ قُلْ أَيُّهَا الْعَبْدُ الْأَبْظَرُ وَخَالَفَ مَسْرُوقٌ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي النَّذْرِ بِنَحْرِ الْوَلَدِ ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى فَتْوَاهُ وَلِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِمْ دَخَلَ فِي جُمْلَتِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -.

ــ

[كشف الأسرار]

كَالنُّجُومِ» أَهْلُ الْبَصَرِ مِنْهُمْ أَيْ أَهْلُ الرَّأْيِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ فُقَهَاؤُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ انْدَفَعَ التَّنَاقُضُ فَكَانَ قَوْلُهُ عَلَى احْتِمَالِ السَّمَاعِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ كَمَا إذَا رُوِيَ خَبَرٌ أَوْ عَلَى احْتِمَالِ عَدَمِهِ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ

وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا تَنَاقُضَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا كَانَ مُقَدَّمًا فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاوِي غَيْرَ فَقِيهٍ إذَا انْسَدَّ بَابُ الرَّأْيِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهَاهُنَا لَمْ يَنْسَدَّ بِقَوْلِهِ بَابُ الرَّأْيِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ رَأْيٍ كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ لَزِمَ مِنْهُ انْسِدَادُ بَابِ الرَّأْيِ لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ أَيْضًا إلَيْهِ أَشَارَ شَيْخُنَا الْعَلَامَةُ مَوْلَانَا حَافِظُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي ثُمَّ بَيَّنَ الشَّيْخُ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَقَالَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ أَيْ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابِيِّ قَوْلٌ فِي حَادِثَةٍ لَمْ تَحْتَمِلْ الِاشْتِهَارَ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَقَعُ بِهَا الْبَلْوَى وَالْحَاجَةُ لِلْكُلِّ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ مَا اُشْتُهِرَ عَادَةً ثُمَّ ظَهَرَ نَقْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّابِعِينَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي حَادِثَةٍ مِنْ حَقِّهَا الِاشْتِهَارُ لَا مَحَالَةَ وَلَا تَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ بِأَنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ وَالْبَلْوَى يَعُمُّ الْعَامَّةَ وَاشْتُهِرَ مِثْلُهَا فِيمَا بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافٌ مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ فَهَذَا إجْمَاعٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الْإِجْمَاعِ

وَكَذَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَالْحَقُّ لَا يَعْدُو أَقَاوِيلَهُمْ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وَرَدَ قَوْلٌ مِنْ صَحَابِيٍّ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يُنْقَلْ مِنْ غَيْرِهِ تَسْلِيمٌ وَلَا إنْكَارٌ وَرَدٌّ إذْ لَوْ كَانَ وُرُودُهُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَانَ حُجَّةً بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلَوْ نُقِلَ مِنْ غَيْرِهِ تَسْلِيمٌ كَانَ إجْمَاعًا فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ وَلَوْ نُقِلَ مِنْ غَيْرِهِ رَدٌّ، وَإِنْكَارٌ كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّرْجِيحَ أَوْ الْعَمَلَ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ بِأَيِّهَا شَاءَ وَعَدَمُ جَوَازِ إحْدَاثِ قَوْلٍ آخَرَ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذَا عُمِلَ بِذَلِكَ أَيْ بِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَوْقَهُ فَوَجَبَ نَقْضُ الْأَوَّلِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمٍ أُمْضِيَ بِالِاجْتِهَادِ بِمِثْلِهِ كَانَ أُسْوَةً أَيْ مِثْلُ سَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ يُقَالُ: هُمْ أُسْوَةٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَيْ مُتَسَاوُونَ وَذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْأُسْوَةَ بِمَعْنَى التَّبَعِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

[تَقْلِيد التَّابِعِينَ]

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ظَهَرَ فَتْوَاهُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ) كَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَشُرَيْحٍ وَمَسْرُوقٍ وَعَلْقَمَةَ كَانَ مِثْلَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ مِثْلَ الصَّحَابَةِ فِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ عَنْ الْبَعْضِ.

ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ فِي تَقْلِيدِ التَّابِعِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَا أُقَلِّدُهُمْ هُمْ رِجَالٌ اجْتَهَدُوا وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِيَةُ مَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَأَفْتَى فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى وَسَوَّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ فَأَنَا أُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَوَّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى صَارَ مِثْلَهُمْ بِتَسْلِيمِهِمْ مُزَاحَمَتَهُ إيَّاهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا تَحَاكَمَ إلَى شُرَيْحٍ وَكَانَ عُمَرُ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ فَخَالَفَ عَلِيًّا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْحَسَنِ لَهُ لِلْقَرَابَةِ وَكَانَ مِنْ رَأْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>