بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ) :
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِنَصٍّ آخَرَ
ــ
[كشف الأسرار]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَكِنَّهُ أَيْ لَكِنَّ الْحُكْمَ - وَهُوَ الْحُرْمَةُ - وَالنَّجَاسَةَ فِيهِ أَيْ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ مُشِيرًا إلَى النَّخْلَةِ وَالْكَرْمَةِ» فَظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ حُكْمَ الْخَمْرِ؛ إذْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بُعِثَ مُبَيِّنًا لِلْحُكْمِ لَا لِلُّغَةِ فَكَانَ مَعْنَاهُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ كَوْنُ النَّصِّ مَعْلُولًا وَمِثَالُ هَذَا أَيْ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ وَصْفَ الثَّمَنِيَّةِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَعَدِّي حُكْمِ التَّعْيِينِ لَا يَصِحُّ الطَّعْنُ بِهِ بِأَنْ يُقَالَ: هَذَا النَّصُّ مَعْلُولٌ بِهَذَا الْوَصْفِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِوَصْفٍ آخَرَ، وَأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً يَلْزَمُهُ صَحَّ الطَّعْنُ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ هَذَا النَّصِّ الْمُعَيَّنِ غَيْرَ مَعْلُولٍ وَطَلَبِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُولًا طَعْنُ الشَّاهِدِ بِالْجَهْلِ وَالرِّقِّ فَإِنَّ الطَّعْنَ بِالْجَهْلِ لَا يَصِحُّ وَبِالرِّقِّ يَصِحُّ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْكِتَابِ مَتَى وَجَدَ بِالنَّصِّ شَاهِدًا أَيْ مُعَلِّلًا مَعَ مَا ذَكَرَ الْخَصْمُ مِنْ الطَّعْنِ بِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالثَّمَنِيَّةِ بَطَلَ هَذَا الطَّعْنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابٌ شُرُوطُ الْقِيَاسِ]
ِ قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِنَصٍّ آخَرَ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هَا هُنَا لِكَثْرَةِ دَوْرِهِمَا فِي الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ فَنَقُولُ: الْأَصْلُ فِي الْقِيَاسِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا قِيسَ الْأُرْزُ عَلَى الْبُرِّ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْبُرَّ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا كَانَ حُكْمُ الْفَرْعِ مُقْتَبَسًا مِنْهُ وَمَرْدُودًا إلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْبُرُّ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ هُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» فِي هَذَا الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْحُكْمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى النَّصِّ فَكَانَ هُوَ الْأَصْلَ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا اُبْتُنِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَكَانَ الْمُعْلَمُ بِهِ مُوَصِّلًا إلَى الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِغَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَحَلِّ وَلَا فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ إذْ لَوْ تُصُوِّرَ الْعِلْمُ بِالْحُكْمِ فِي الْمَحَلِّ دُونَهُمَا بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ أَوْ ضَرُورَةٍ أَمْكَنَ الْقِيَاسُ فَلَمْ يَكُنْ النَّصُّ أَصْلًا لِلْقِيَاسِ أَيْضًا وَهَذَا النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ لِإِمْكَانِ إطْلَاقِ الْأَصْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِبِنَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَحَلِّ وَالنَّصِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلُهُ، وَأَصْلُ الْأَصْلِ أَصْلٌ، وَلَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ هُوَ الْمَحَلَّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَعَلَى مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهِ، وَيَسْتَقِيمُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَحَلِّ بِالْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلِمَا قُلْنَا وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلِافْتِقَارِ الْحُكْمِ وَدَلِيلِهِ إلَى الْمَحَلِّ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْحُكْمِ، وَلَا إلَى دَلِيلِهِ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بَيَانُ الْأَصْلِ الَّذِي يَقْبَلُ الْفَرْعَ فِي التَّرْكِيبِ الْقِيَاسِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ الْمَحَلُّ.
وَأَمَّا الْفَرْعُ فَهُوَ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَالْأُرْزِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ هُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ كَتَحْرِيمِ الْبَيْعِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَبْتَنِي عَلَى الْغَيْرِ وَيَفْتَقِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute