وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَعِنْدَنَا هَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا
ــ
[كشف الأسرار]
الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَيْضًا نُفِيَ الِانْحِصَارُ فِيمَا وَرَاء ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنِيِّ وَصَارَ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الِاغْتِسَالَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ مُنْحَصِرٌ فِي الْمَنِيِّ لَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَاءِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاغْتِسَالُ بِالْإِكْسَالِ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَكِنَّ الْمَاءَ فِيهِ ثَابِتٌ تَقْدِيرًا لِأَنَّ الْمَاءَ يَثْبُتُ عِيَانًا مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَرَّةً دَلَالَةً فَإِنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ وَتَوَارِي الْحَشَفَةِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِنُزُولِ الْمَاءِ كَانَ دَلِيلًا عَلَيْهِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَالنَّوْمِ أُقِيمَ مَقَامَ الْحَدَثِ وَالسَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِي الْإِكْسَالِ مُضَافٌ إلَى الْمَاءِ أَيْضًا فَكَانَ هَذَا مِنَّا قَوْلًا بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ عِنْدَنَا فَهِيَ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُسْتَنْبِطُونَ فِي عِلَّةِ النَّصِّ فَيُثْبِتُونَ الْحُكْمَ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الْمُسْتَنْبِطِينَ وَثَوَابَهُمْ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إذَا وَرَدَ النَّصُّ عَامًّا مَتْنًا وَلَا لِلْجِنْسِ.
[الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ]
كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْعَمَلِ بِالْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ يَعْنِي إذَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِاسْمٍ عَامٍّ مُقَيَّدٍ بِوَصْفٍ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَإِنَّ اسْمَ الْغَنَمِ عَامٌّ فِي جِنْسِهِ وَوَصْفَ السَّوْمِ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِهِ لَا بِكُلِّهِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: ٤٤] فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَعُمُّ النَّبِيِّينَ أَجْمَعَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» فَإِنَّ وَصْفَ رُطُوبَةِ الْكَبِدِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ أَيْ نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى هَذَا مَفْهُومَ الصِّفَةِ.
وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ صِفَتَانِ فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا يُخَالِفُهُ فِي الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ. مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرَةً فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ» فَتَخْصِيصُ الْعَمْدِ وَالسَّوْمِ وَالتَّأْبِيرِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِنْدَنَا لَا يَدُلُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِمَا رُوِيَ أَنْ أَبَا عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ حَكَى عَنْ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالَهُمْ الْمَفْهُومَ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ» أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ أَيْ مَطْلَ مَنْ لَيْسَ يَعْنِي لَا يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ وَعِرْضَهُ أَيْ مُطَالَبَتَهُ وَبِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَسْوَدَ يُفْهَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْأَبْيَضِ وَإِذَا قَالَ: اضْرِبْهُ إذَا قَامَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَقُمْ وَبِأَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَوَتْ الْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تَبْقَ لِذِكْرِ السَّائِمَةِ فَائِدَةٌ وَتَخْصِيصُ آحَادِ الْفُقَهَاءِ وَالْبُلَغَاءِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ مُمْتَنِعٌ فَتَخْصِيصُ الشَّارِعِ أَوْلَى وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ لَا يُفْهَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ إلَّا بِنَقْلٍ مُتَوَاتِرٍ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ جَارٍ مَجْرَى التَّوَاتُرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute