وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ وَلَوْ كَانَ لِخُصُوصِ الِاسْمِ أَثَرٌ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِهِ لَصَارَ التَّعْلِيلُ عَلَى مُضَادَّةِ النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ وَأَمَّا «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ مِنْهُمْ كَانَ فَاللَّامُ الْمَعْرِفَةِ وَهِيَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَتَعْرِيفِهِ وَعِنْدَنَا هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّ الْمَاءَ يَثْبُتُ عِيَانًا مَرَّةً وَتَارَةً دَلَالَةً.
ــ
[كشف الأسرار]
نَفْسِهِ وَلَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَلَكِنْ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ إلَّا حِلًّا وَاحِدًا فَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْمُسْتَوْلِي انْتَفَى عَنْ غَيْرِهِمَا ضَرُورَةً فَكَانَ الْمُثْبِتُ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْغَيْرِ ثُبُوتَ الْحِلِّ.
وَكَذَا الْأَمْرُ لَمَّا وَجَبَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْإِتْيَانِ بِهِ تَرْكُ ضِدِّهِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِضِدِّهِ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِهِ ثَبَتَ حُرْمَةُ الضِّدِّ أَوْ كَرَاهَتُهُ بِوُجُوبِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِالْأَمْرِ نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الْحُرْمَةَ عَلَى الْغَيْرِ وَحُرْمَةَ الضِّدِّ أُضِيفَتْ إلَى النِّكَاحِ وَالْأَمْرُ لِإِضَافَتِهِمَا إلَيْهَا فَأَمَّا ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ فَقَدْ يَسْتَغْنِي عَنْ النَّفْيِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ النَّفْيُ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَى الْمُثْبِتِ وَهُوَ النَّصُّ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّخْصِيصِ بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَ لِخُصُوصِ الِاسْمِ أَثَرٌ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ لَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْعِلَّةِ لَا يَتَعَدَّى مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ وَلَا مَانِعَ أَقْوَى مِنْ النَّصِّ إذْ التَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِمَفْهُومِهِ لَا بِصَرِيحِهِ وَالْمَفْهُومُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُفْضِي الْقَوْلُ بِهِ إلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ بَلْ إلَى التَّعَارُضِ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ مُسَاوَاةَ الْفَرْعِ الْأَصْلَ فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْحُكْمِ وَمِنْ شَرْطِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَدَمُ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ الْمَنْطُوقَ فِي تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ إذْ لَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ لَكَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ فَإِذَا أَمْكَنَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمَنْطُوقِ ثَبَتَ أَنْ لَا مَفْهُومَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْخِ الْفُقَهَاءَ بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ لَا يُوهِمَنَّكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْقِيَاسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ نُفَاتُهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ التَّخْصِيصِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الشَّيْءِ بِالِاسْمِ وَأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْقِيَاسِ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَوَابًا وَخَطَأً لَا لِنَصٍّ يَمْنَعُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ لِضَعْفٍ فِي سَنَدِهِ لَا لِنَصٍّ مَانِعٍ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْخَصْمِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ لَا بِقَوْلِ نُفَاةِ الْقِيَاسِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ كَانَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ حُجَّةً لَكَانَ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ زَيْدٌ مَوْجُودٌ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كُفْرُ الْقَائِلِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِظَاهِرِهِ إلَى أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَفِيهِ إنْكَارُ وُجُودِ الصَّانِعِ جَلَّ جَلَالُهُ وَأَنَّ غَيْرَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ بِرَسُولٍ وَفِيهِ إنْكَارُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَكَذَا مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ.
ثُمَّ أَجَابَ الشَّيْخُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ مِنْ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى انْحِصَارِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَاءِ لَمْ يَكُنْ لِمَا تَوَهَّمَ الْخَصْمُ مِنْ دَلَالَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى التَّخْصِيصِ بَلْ فَاللَّامُ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِلْجِنْسِ الْمُعَرِّفَةِ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَعْهُودِ الْمُوجِبَةِ لِلِانْحِصَارِ أَوْ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا مَاءَ إلَّا مِنْ الْمَاءِ» وَفِي بَعْضِهَا «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْحَصْرَ وَالتَّخْصِيصَ بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَنَا هُوَ كَذَلِكَ أَيْ هَذَا الْكَلَامُ مُوجِبٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَالِانْحِصَارِ كَمَا قَالَتْ الْأَنْصَارُ وَمَعْنَاهُ وُجُوبُ جَمِيعِ الِاغْتِسَالَاتِ مِنْ الْمَنِيِّ أَيْ بِسَبَبِهِ لَكِنْ لَمَّا دَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute