للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يُقَامُ مُقَامَ الْعِلَلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا الْعَلَامَةُ فَمَا يُعْرَفُ الْوُجُودُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبٌ وَلَا وُجُودٌ مِثْلُ الْمِيلِ وَالْمَنَارَةِ فَكَانَ دُونَ الشَّرْطِ فَهَذَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَكُلُّ ضَرْبٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُنْقَسِمٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ.

(بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ)

وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الْأَحْكَامِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْبَابِهَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِطَابِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالسَّبَبُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ وَسَبَبٌ سُمِّيَ بِهِ مَجَازًا وَسَبَبٌ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ وَسَبَبٌ هُوَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ

ــ

[كشف الأسرار]

كَالْعِلَّةِ فِي الْإِنْبَاءِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْحُكْمُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحُكْمُ وَالرُّكْنُ مَا هُوَ غَيْرُ التَّصَرُّفِ وَلَا يَتِمّ بِهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَلَفْظُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ وَالرُّكْنُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا وَأَمَّا الشَّرْطُ فَمَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا إلَّا عِنْدَهُ.

قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ: تَفْسِيرُ الشَّرْطِ بِأَنَّهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَ وُجُوبِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ بَلْ الْعِلَّةُ تَقِفُ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ بَلْ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَوُجِدَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ يَقُولُ: إذَا وَجَبَتْ الْعِلَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ امْتَنَعَ وُجُودُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ مَعَ بَقَاءِ الْعِلَّةِ فَأَمَّا عِنْد مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ كَانَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ مَا يُوجَدُ الْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ مَا يَقِفُ الْمُؤَثِّرُ عَلَى وُجُودِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى الشَّرْطِ كَانَ حُكْمُهُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ فَيَصِحُّ هَذَا التَّعْرِيفُ.

وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَا يَقِفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَمُؤَثَّرِهِ إذْ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَاتِ الْمُؤَثَّرِ وَعَلَى الْمُؤَثَّرِ فِيهِ وَقِيلَ: هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِهِ وَلَا دَاخِلًا فِيهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ شَرْطُ الْحُكْمِ وَشَرْطُ السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُ السَّبَبِ وَلَيْسَ هُوَ السَّبَبَ وَلَا جُزْأَهُ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ أَوْ السَّبَبِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَدْ يُقَامُ الشَّرْطُ مُقَامَ الْعِلَلِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ يَعْنِي فِي بَابِ تَقْسِيمِ الشُّرُوطِ فِي مَسْأَلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ شَرَطَ التَّلَفَ دُونَ عِلَّتِهِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ لِتَعَذُّرِ إضَافَتِهِ إلَى الْعِلَّةِ.

وَأَمَّا الْعَلَامَةُ فَهِيَ الْأَمَارَةُ فِي اللُّغَةِ كَالْمَيْلِ لِلطَّرِيقِ وَالْمَنَارَةِ لِلْمَسْجِدِ وَفِي الشَّرْعِ هِيَ مَا يُعْرَفُ وُجُودُ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُهُ وَلَا وُجُوبُهُ فَيَكُونُ الْعَلَامَةُ دَلِيلًا عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَحَسْبُ مِثْلُ التَّكْبِيرَاتِ فِي الصَّلَاةِ إعْلَامًا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ وَالْأَذَانُ عَلَمُ الصَّلَاةِ وَالتَّلْبِيَةُ شِعَارُ الْحَجِّ.

فَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالِاصْطِلَاحِيَّة بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ السَّبَبُ وَالْعَلَامَةُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ ضُرُوبٌ مُتَشَابِهَةٌ فَفِي السَّبَبِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَفِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعْنَى الْعَلَامَةِ وَفِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَالْعَلَامَةُ قَدْ تُشْتَبَهُ بِالشَّرْطِ وَالْعِلَّةِ فَفِيهِمَا مَعْنَى الْعَلَامَةِ لَا يَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ إلَّا بِحَدٍّ تَأَمَّلْ

[بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ]

اعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - السَّبَبَ وَالْعِلَّةَ وَالشَّرْطَ وَالْعَلَامَةَ عَلَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنْ حَقَائِقَهَا تَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ كَانْقِسَامِ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنَّ تَقْسِيمَهُمْ إيَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ أَوْ الْعِلَّةِ أَوْ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُوجَدُ فِيهِ جِهَةُ السَّبَبِيَّةِ وَالْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ بِوَجْهٍ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ التَّقْسِيمُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الْأَحْكَامِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْبَابِهَا يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>