للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُضَافٌ إلَيْهِ وُجُوبٌ وَلَا وُجُودَ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَمَّا السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ فَمَا يَكُونُ

ــ

[كشف الأسرار]

يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ تَقْسِيمِ أَنْوَاعِ السَّبَبِ وَبَيَانِ وُجُوهِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْسِيمَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ السَّبَبِ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ حَقِيقَةً عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِ السَّبَبِ بَلْ هِيَ عِلَلٌ سُمِّيَتْ أَسْبَابًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْأَحْكَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّ وَجْهَ التَّقْسِيمِ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ السَّبَبَ الْمَجَازِيَّ قِسْمًا وَالسَّبَبَ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ قِسْمًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ غَيْرَ ذَلِكَ الْقِسْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ السَّبَبُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ غَيْرُ السَّبَبِ الْمَجَازِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي آخِرِ الْبَابِ فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَقْسِيمُهَا عَلَى الْأَرْبَعَةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الْأَقْسَامِ قِسْمَيْنِ بِالْجِهَتَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقْسِيمَ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ مَهْجُورٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ بِاعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ فِي الْخَارِجِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَعَدَّدُ فِي الْخَارِجِ بِتَعَدُّدِ الْجِهَاتِ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْجِهَاتُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَانْقَسَمَ بِاعْتِبَارِهَا لَمْ تَنْحَصِرْ الْأَقْسَامُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بَلْ تَزِيدُ عَلَيْهَا بِأَنْ يُجْعَلَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَبَبًا قِسْمًا وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعِلَّةِ قِسْمًا وَأَنْ يُجْعَلَ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ طَرِيقًا قِسْمًا وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ إضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ قِسْمًا وَهَلُمَّ جَرًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ إلَّا ثَلَاثَةٌ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَسَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَقَوْدِ الدَّابَّةِ وَسَبَبٌ مَجَازِيٌّ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ.

وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ الْقِسْمَ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ مَكَانَهُ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ بِنَفْسِهِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي كَالنِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

قَوْلُهُ (أَمَّا السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ فَمَا يَكُونُ) طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ وَالشَّرْطُ وَغَيْرُهَا فَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ وُجُوبٌ عَنْ الْعِلَّةِ، وَبِقَوْلِهِ وَلَا وُجُودٌ عَنْ الشَّرْطِ وَعَنْ الْعِلَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ ثُبُوتًا بِهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ ثُبُوتًا عِنْدَهُ وَبِقَوْلِهِ وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعَانِي الْعِلَلِ أَيْ لَا يُوجَدُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ بِوَجْهٍ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَعَنْ السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَرِيقٌ إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ وُجُودٌ وَلَا وُجُوبٌ وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ كَمَا سَتَعْرِفُ وَقَدْ تَمَّ التَّعْرِيفُ ثُمَّ بَيَّنَ خُلُوَّهُ عَنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ لَا تُضَافُ أَيْ عِلَّةُ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ إلَى آخِرِهِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ السَّبَبُ الَّذِي فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَذَلِكَ أَيْ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِثْلُ سَوْقِ الدَّابَّةِ وَقَوْدُهَا هُوَ سَبَبٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِمَا يَتْلَفُ بِهَا أَيْ بِالدَّابَّةِ مِنْ الْمَالِ وَالنَّفْسِ حَالَةَ الْقَوْدِ وَالسَّوْقِ لَا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْ السَّوْقُ أَوْ الْقَوْدُ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْإِتْلَافِ لَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لِيَكُونَ عِلَّةً لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ أَوْ الْقَوْدَ يَحْمِلُ الدَّابَّةَ عَلَى الذَّهَابِ كُرْهًا فَصَارَ فِعْلُهَا مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْمَحَلِّ فَأَمَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى جَزَاءِ الْمُبَاشَرَةِ فَلَا حَتَّى لَا يُحْرَمَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْقِصَاصُ.

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَلِهَذَا السَّبَبِ حُكْمُ الْعِلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ لَمَّا حَدَّثَتْ بِالْأُولَى صَارَتْ الْعِلَّةُ الْأَخِيرَةُ حُكْمًا لِلْأُولَى مَعَ حُكْمِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الثَّانِيَةِ مُضَافٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْأُولَى فَصَارَتْ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ لَهَا حُكْمَانِ وَمِثَالُهُ الرَّمْيُ الْمُصِيبُ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلْمَوْتِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّمْيِ يَنْقَطِعُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَكِنَّهُ أَوْجَبَ حَرَاكًا فِي السَّهْمِ وَصَلَ بِهِ إلَى الْمَرْمَى وَأَوْجَبَ نَقْضَ بِنْيَتِهِ ثُمَّ انْتِقَاضُ الْبِنْيَةِ أَحْدَثَ آلَامًا قَتَلَتْهُ فَكَانَ الرَّمْيُ سَبَبًا مُوجِبًا وَلَهُ حُكْمُ جَزَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>