وَمَتَى جَعَلْنَاهُ مُولَيًا عَلَيْهِ لَمْ نَجْعَلْهُ وَلِيًّا فِيهِ وَإِنَّمَا هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَوَسُّعِ طَرِيقِ النَّيْلِ وَالْإِصَابَةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا فَوَجَبَ احْتِمَالُ هَذَا التَّرَدُّدِ فِي السَّبَبِ لِسَلَامَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنَّمَا الْأُمُورُ بِعَوَاقِبِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(بَابُ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ) :
الْعَوَارِضُ نَوْعَانِ سَمَاوِيٌّ وَمُكْتَسَبٌ
ــ
[كشف الأسرار]
وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّا مَتَى جَعَلْنَاهُ وَلِيًّا فِي تَصَرُّفٍ لَمْ نَجْعَلْهُ فِيهِ أَيْ فِيمَا جَعَلْنَاهُ وَلِيًّا مُولَيًا عَلَيْهِ.
وَإِذَا جَعَلْنَاهُ مُولَيًا عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفٍ لَمْ نَجْعَلْهُ وَلِيًّا فِيهِ فَإِنَّا مَتَى جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ لَمْ نَجْعَلْهُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَحَدٍ وَإِذَا جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ نَجْعَلْهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ وَهُوَ كَالْعَبْدِ يَكُونُ تَبَعًا لِمَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ فِي حَالَةٍ وَيَكُونُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فِي حَالَةٍ وَهِيَ مَا إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهِ وَلِيًّا وَمُولِيًا عَلَيْهِ عِبَارَةٌ عَنْ الِاحْتِمَالِ أَيْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوجَدَ هَذَا التَّصَرُّفُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَيَكُونُ وَلِيًّا فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوجَدَ بِمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُولَيًا عَلَيْهِ لَا أَنْ يُوجِدَ التَّصَرُّفَ بِالطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَيَكُونُ وَلِيًّا وَمُولِيًا عَلَيْهِ فِيهِ بَلْ لَا يُوجَدُ إلَّا بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَلَا يَسْتَحِيلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْوَجْهِ كَمَا فِي إرْسَالِ الطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِهِ فَإِنَّهُمَا يَتَنَافَيَانِ وُجُودًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِالْإِرْسَالِ لَا يَقَعُ بِالتَّعْلِيقِ وَكَذَا عَكْسُهُ فَأَمَّا مَا قَبْلَ الْوُجُودِ فَيَحْتَمِلُ الْوُقُوعَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ وَهُوَ رَاجِعٌ أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهِ وَلِيًّا وَمُولِيًا عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفٍ رَاجِعٌ إلَى تَوَسُّعِ طَرِيقِ النَّيْلِ أَيْ نَيْلِ الْحُكْمِ وَالنَّفْعِ الَّذِي فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ فَإِنَّهُ مَتَى صَحَّ قَبُولُهُ الْهِبَةَ بِنَفْسِهِ وَصَحَّ قَبُولُ وَلِيِّهِ لَهُ أَيْضًا كَانَ حُصُولُ نَفْعِ الْهِبَةِ لَهُ بِطَرِيقَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا كَانَ طَرِيقُهُ وَاحِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّ حُصُولَهُ بِطَرِيقَيْنِ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ حُصُولِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ.
وَذَلِكَ أَيْ تَوَسُّعُ طَرِيقِ الْإِصَابَةِ أَوْ نَيْلُ نَفْعِ التَّصَرُّفِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ جَعْلِهِ وَلِيًّا بِنَفْسِهِ وَمُولِيًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا لَا ذَوَاتُهَا فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ حُكْمَهُ وَهُوَ حُصُولُ النَّفْعِ فَوَجَبَ احْتِمَالُ هَذَا التَّرَدُّدِ فِي السَّبَبِ أَيْ وَجَبَ تَحَمُّلُ التَّرَدُّدِ الَّذِي فِي السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمُبَاشَرَةِ نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ مِنْ غَيْرِ تَعَيُّنِ أَحَدِهِمَا لِسَلَامَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْكَمَالِ أَيْ لِيَحْصُلَ النَّفْعُ لَهُ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَإِنَّمَا الْأُمُورُ بِعَوَاقِبِهَا أَيْ الْمُعْتَبَرُ عَوَاقِبُ الْأُمُورِ لَا ابْتِدَاؤُهَا وَعَاقِبَةُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمَنَافِعِ لِلصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ بِتَوْسِيعِ طَرِيقِهِ وَإِنْ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ تَرَدُّدٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ]
وَلَمَّا فَرَغَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ وَمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا مِنْ الْأَحْكَامِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أُمُورٍ تَعْتَرِضُ عَلَيْهَا فَتَمْنَعُهَا عَنْ إبْقَائِهَا عَلَى حَالِهَا فَبَعْضُهَا يُزِيلُ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ كَالْمَوْتِ وَبَعْضُهَا يُزِيلُ أَهْلِيَّةَ الْأَدَاءِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَبَعْضُهَا يُوجِبُ تَغْيِيرًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ كَالسَّفَرِ عَلَى مَا سَتَقِفُ عَلَى تَفْصِيلِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْعَوَارِضُ جَمْعُ عَارِضَةٍ أَيْ خَصْلَةٌ عَارِضَةٌ أَوْ آفَةٌ عَارِضَةٌ مِنْ عَرَضَ لَهُ كَذَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَمْرٌ يَصُدُّهُ عَنْ الْمُضِيِّ عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمُعَارَضَةُ مُعَارَضَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ يُقَابِلُ الْآخَرَ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُهُ عَنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَيُسَمَّى السَّحَابُ عَارِضًا لِمَنْعِهِ أَثَرَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ عَوَارِضُ لِمَنْعِهَا الْأَحْكَامَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ عَنْ الثُّبُوتِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُوخَةَ وَالْكُهُولَةَ وَنَحْوَهُمَا فِي جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَمْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute