للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ أَصْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ حُقُوقِ الْبَشَرِ نَظِيرُ هَذِهِ الْحُجَّةِ فِي احْتِمَالِ الشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحُ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَانَ فَوْقَ مَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ أَوْلَى.

وَإِذَا ثَبَتَ دَفْعُ الْعِلَلِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِهِ كَانَتْ غَايَتُهُ أَنْ يُلْجِئَ إلَى الِانْتِقَالِ (وَهَذَا بَابُ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ) :

وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:.

الْأَوَّلُ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِي الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ آخَر بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَالثَّالِثُ الِانْتِقَالُ إلَى حُكْمٍ آخَرَ وَعِلَّةٍ أُخْرَى هَذِهِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَالرَّابِعُ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ عِنْدَنَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اسْتَحْسَنَ هَذَا أَيْضًا أَمَّا الْوُجُوهُ الْأُولَى فَإِنَّمَا صَحَّتْ

ــ

[كشف الأسرار]

ضَرُورَةٌ وَيُبْتَذَلُ عَادَةً لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِيمَا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَلَهُ خَطَرٌ لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَيَظْهَرُ بِهِ أَيْ بِسَبَبِ بَيَانِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ لِأَصْحَابِنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ احْتَجْنَا إلَى الْمَنْعِ وَإِلَى بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيَانِ الْمَعْنَى فَيَظْهَرُ الْفِقْهُ مِنْ جَانِبِ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ أَصْلِيَّةٌ كَشَهَادَةِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَصِيرُ شَاهِدًا بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالنِّسَاءُ فِيهِمَا مِثْلُ الرِّجَالِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ نُقْصَانِ الْعَقْلِ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُنَّ اُعْتُبِرَ كَامِلًا فِي التَّكَالِيفِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْقَبُولُ يُبْتَنَى عَلَى الْعَدَالَةِ وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلَهُنَّ عَدَالَةٌ مِثْلُ الرِّجَالِ وَلِهَذَا قُبِلَتْ مِنْهُنَّ رِوَايَةُ الْأَخْبَارِ وَالضَّلَالُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ مَجْبُورٌ بِضَمِّ امْرَأَةٍ أُخْرَى إلَيْهَا فَلَئِنْ نُفِيَ نَوْعُ شُبْهَةٍ بَعْدَ الْخَبَرِ وَهِيَ شُبْهَةُ ظَاهِرِ الْبَدَلِيَّةِ لَا حَقِيقَةِ الْبَدَلِيَّةِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ بِالْإِجْمَاعِ تُعْتَبَرُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَغَيْرِهَا فَأَمَّا فِيمَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَلَا وَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُنَّ مُنْفَرِدَةً عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

فَعِنْدَ الْخَصْمِ قَبُولُ شَهَادَتِهِنَّ حُكْمٌ مَخْصُوصٌ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبُولِ فَيَتَبَيَّنُ حَقِيقَةً ذَلِكَ بِالتَّحَاكُمِ إلَى الْأُصُولِ فَمَتَى ثَبَتَ لِلْخَصْمِ ظُهُورُ الْخَلَلِ فِيمَا هُوَ رُكْنُ الشَّهَادَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَبُولَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَمَتَى قَامَ الدَّلِيلُ لَنَا أَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ كَامِلٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَبُولَ أَصْلٌ وَعَدَمَ الْقَبُولِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَقَدْ قَامَ كَمَا بَيَّنَّا قَوْلُهُ (وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِيهَا أَصْلِيَّةٌ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ حُقُوقِ الْبَشَرِ أَيْ حُجَجُ عَامَّةِ حُقُوقِهِمْ يَعْنِي الْحُجَجَ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا أَكْثَرُ الْحُقُوقِ نَظِيرُ هَذِهِ الْحُجَّةِ فِي احْتِمَالِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَهِيَ لَا تَخْلُو عَنْ احْتِمَالِ كَذِبٍ وَسَهْوٍ وَغَلَطٍ وَإِنْ تَرَجَّحَ فِيهَا جَانِبُ الصِّدْقِ، ثُمَّ إنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ عَنْ كَوْنِهِ أَصْلِيَّةً وَلَمْ تَصِرْ ضَرُورِيَّةً فَكَذَا هَذِهِ وَالنِّكَاحُ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ أَيْ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ الْمُقَارِنَةِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَالْكُرْهِ وَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ الطَّارِئَةِ فَإِنَّ رَجُلًا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ وَدَخَلَ بِهَا وَيَثْبُتُ لَهُ شُبْهَةُ النِّكَاحِ حَتَّى سَقَطَ بِهِ الْحَدُّ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الثَّابِتُ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ الطَّارِئَةِ فَكَانَ أَيْ النِّكَاحُ فِي الثُّبُوتِ فَوْقَ مَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَثْبُتُ مَعَهَا أَيْضًا وَهُوَ الْمَالُ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ بِهِ أَيْ بِمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قِيَاسُهُ بِهِ بِوَجْهٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ فِي قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَكَانَ فَوْقَ مَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ أَيْ النِّكَاحُ الَّذِي يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَوْقَ الْحَدِّ الَّذِي يَسْقُطُ بِهَا فِي الثُّيُوبِ فَبَطَلَ قِيَاسُ النِّكَاحِ بِالْحَدِّ فِي اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ لِثُبُوتِهِ أَلَا تَرَى تَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ النِّكَاحُ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ]

(بَابُ الِانْتِقَالِ) الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِانْتِقَالِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُمَانَعَةِ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا مَنَعَ وَصْفَ الْمُجِيبِ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لَمْ يَجِدْ مِنْ إثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْهُ فِي الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ الْحُكْمَ الَّذِي رَتَّبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>