وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَهْوٌ.
وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
التَّأْوِيلَ؛ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَالْعَامُّ يَشْمَلُ كِلَيْهِمَا فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ فَلِهَذَا قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَهْوٌ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يَشْمَلَ اللَّفْظُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْمَعَانِي وَجَعْلِ الْمَعَانِيَ مَجَازًا عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَلَكِنَّ أَخَاهُ صَدْرَ الْإِسْلَامِ أَبَا الْيُسْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْجَصَّاصَ بِقَوْلِهِ أَوْ الْمَعَانِي لَمْ يُرِدْ عُمُومَ الْمَعَانِي وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالْمَعَانِي مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ عَمَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ.
وَإِذَا قَالَ الْحَرَكَاتُ عَمَّ الْحَرَكَاتِ كُلَّهَا، وَهِيَ الْمَعَانِي فَيَجْعَلُ أَبُو الْيُسْرِ الْمَعَانِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً بِمَعْنًى أَعَمَّ مِنْهَا كَمَا فِي قَوْلِنَا الْمَعَانِي وَالْعُلُومُ وَالْأَعْرَاضُ وَنَحْوُهَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا عَامٌّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِجَمْعٍ مِنْ مَدْلُولَاتِهِ وَلَكِنْ بِمَعْنًى مُتَّحِدٍ يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَعْنَى وَالْعِلْمِ وَالْعَرَضِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْءَ يَتَنَاوَلُ الْمَعَانِيَ الْمُخْتَلِفَةَ بِمَعْنَى الْمَوْجُودِ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْيَانَ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لَفْظٌ آخَرُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً بِمَعْنًى يَشْمَلُهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَامُّ قِسْمَيْنِ: مَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْيَانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَا يَتَنَاوَلُ الْمَعَانِيَ بِمَعْنًى يَعُمُّهَا فَيَصِحُّ قَوْلُهُ أَوْ الْمَعَانِي وَيَكُونُ حَدُّهُ مُتَعَرِّضًا لِلْقِسْمَيْنِ فَيَكُونُ جَامِعًا وَلَا يَتَعَرَّضُ حَدُّ الْمُصَنِّفُ إلَّا لِقِسْمٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُسَمَّى مَفْهُومُ اللَّفْظِ فَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُهَا، وَعَنْ هَذَا قِيلَ فِي تَحْدِيدِ الْعَامِّ هُوَ لَفْظٌ يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْمَفْهُومَاتِ بِالْوَضْعِ، وَلَكِنَّ طَعْنَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ فَافْهَمْ.
وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ وَصْفٌ لِلْمُشْتَمِلِ لَا لِلْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ إذْ الْعَامُّ نَعْتٌ فَاعِلٌ كَمَا فِي قَوْلِنَا الرِّجَالُ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْعُمُومِ لَا الْأَفْرَادُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَهُ وَهَهُنَا الشَّامِلُ هُوَ اللَّفْظُ سَوَاءٌ اشْتَمَلَ عَلَى أَعْيَانٍ أَوْ عَلَى مَعَانٍ فَيَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْعُمُومِ بِالِاتِّفَاقِ، فَأَمَّا الْمَعْنَى إذَا شَمِلَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ لَفْظُهُ عَلَى الشُّمُولِ كَمَعْنَى الْمَطَرِ أَوْ الْخِصْبِ إذَا شَمِلَ الْأَمْكِنَةَ وَالْبِلَادَ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ إلَّا مَجَازًا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ يُوصَفُ بِهِ حَقِيقَةً، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي شَيْءٍ، وَلَا يُقَالُ حَدُّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا يَنْتَظِمُ يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَى كَمَا يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ، وَالْمَعْنَى لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِلَّفْظِ فَقَالَ كُلُّ لَفْظٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَصْفُ الْمَعْنَى بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِهِ بِالْعُمُومِ حَقِيقَةً فِي الْمَعَانِي كَمَا هُوَ فِي الْأَلْفَاظِ يُقَالُ عَمَّهُمْ الْخِصْبُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَامًّا كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -
[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَاتِ مُشْتَرَكَةٌ وَالصِّيغَةُ مُشْتَرَكٌ فِيهَا، وَقَوْلُهُ احْتَمَلَ كَذَا أَيْ بِالْوَضْعِ عُرِفَ ذَلِكَ بِمَوْرِدِ التَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَقْسِيمُ نَفْسِ اللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَالْمَجَازُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِرَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute