انْقِطَاعٌ بِالْمُعَارَضَةِ وَانْقِطَاعٌ لِنُقْصَانٍ وَقُصُورٍ فِي النَّاقِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْعَرْضِ عَلَى الْأُصُولِ فَإِذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ مَرْدُودًا مُنْقَطِعًا وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَالثَّانِي مَا خَالَفَ السُّنَّةَ الْمَعْرُوفَةَ وَالثَّالِثُ مَا شَذَّ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا اُشْتُهِرَ مِنْ الْحَوَادِثِ وَعَمَّ بِهِ الْبَلْوَى فَوَرَدَ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ.
وَالرَّابِعُ أَنْ يَعْرِضَ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكِتَابَ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يُتْرَكُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ، حَتَّى إنَّ الْعَامَّ مِنْ الْكِتَابِ لَا يُخَصُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا وَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ مِنْ الْكِتَابِ وَلَا يُنْسَخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ أَصْلٌ وَالْمَعْنَى فَرْعٌ لَهُ وَالْمَتْنُ مِنْ الْكِتَابِ فَوْقَ الْمَتْنِ مِنْ السُّنَّةِ لِثُبُوتِهِ ثُبُوتًا بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِهِ قَبْلَ الْمَصِيرِ إلَى الْمَعْنَى
ــ
[كشف الأسرار]
أَنَّهُ سَمِعَهُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا فَأَرْسَلَهُ اعْتِمَادًا عَلَيْهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَأَسْنَدَهُ ثَانِيًا أَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِلْإِسْنَادِ فَأَسْنَدَهُ ثُمَّ نَسِيَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ فَأَرْسَلَهُ ثَانِيًا فَلَا يَقْدَحُ إرْسَالُهُ فِي إسْنَادِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ إسْنَادُهُ عِنْدَهُمْ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَوْ سَمِعْت فُلَانًا وَلَا يُقْبَلُ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ مُوهِمٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَنْ فُلَانٍ وَنَحْوِهِ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُعْتَمَدِ.
، وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا مِثْلُ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ فِي أُخْرَى عَنْ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْنَدًا هَكَذَا مُتَّصِلًا، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَحَكَى الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ الْحُكْمَ فِي هَذَا وَأَشْبَاهِهِ لِلْمُرْسَلِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَحْفَظِ فَإِذَا كَانَ مَنْ أَرْسَلَهُ أَحْفَظَ مِمَّنْ وَصَلَهُ فَالْحُكْمُ لِمَنْ أَرْسَلَهُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَةِ مَنْ وَصَلَهُ وَأَهْلِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ أَسْنَدَ حَدِيثًا قَدْ أَرْسَلَهُ الْحَافِظُ فَإِرْسَالُهُمْ لَهُ يَقْدَحُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي عَدَالَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْحُكْمُ مَنْ أَسْنَدَهُ إذَا كَانَ ضَابِطًا عَدْلًا فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ لَهُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إذَا كَانَ الَّذِي وَصَلَهُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ، وَهَكَذَا إذَا رَفَعَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَوْ رَفَعَهُ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَوَقَفَهُ هُوَ أَيْضًا فِي وَقْتٍ آخَرَ فَالْحُكْمُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا زَادَهُ الثِّقَةُ مِنْ الْوَصْلِ وَالرَّفْعِ.
فَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنَّ الرَّاوِيَ لَمَّا سَكَتَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ فِيهِ وَإِسْنَادُ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْدِيلِ، وَإِذَا اسْتَوَى الْجُرْحُ وَالتَّعْدِيلُ يَغْلِبُ الْجُرْحُ لِمَا عُرِفَ. وَوَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ عَدَالَةَ الْمُسْنِدِ يَقْتَضِي قَبُولَ الْخَبَرِ وَلَيْسَ فِي إرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَهُ مَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إسْنَادُ مَنْ يُسْنِدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَرْسَلَهُ سَمِعَهُ مُرْسَلًا أَوْ نَسِيَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَمَنْ أَسْنَدَهُ سَمِعَهُ مُسْنَدًا فَلَا يَقْدَحُ إرْسَالُهُ فِي إسْنَادِ الْآخَرِ وَلِأَنَّ الْمُسْنَدَ مُثْبِتٌ وَالْمُرْسَلَ سَاكِتٌ وَلَوْ كَانَ نَافِيًا فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا خَفَى عَلَيْهِ.
[الِانْقِطَاعُ الْبَاطِلُ]
قَوْلُهُ (انْقِطَاعٌ بِالْمُعَارَضَةِ) ، وَهُوَ أَنْ تُعَارِضَ الْخَبَرَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَارَضَهُ مَا هُوَ فَوْقَهُ سَقَطَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ سَاقِطٌ فَيَنْقَطِعُ مَعْنًى ضَرُورَةً لِنُقْصَانٍ وَقُصُورٍ فِي النَّاقِلِ بِفَوَاتِ بَعْضِ شَرَائِطِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالضَّبْطِ وَالْعَقْلِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا يَعْرِضُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأُصُولُ، وَذَلِكَ أَيْ الِانْقِطَاعُ الْمَعْنَوِيُّ الْحَاصِلُ بِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَيْضًا كَالِانْقِطَاعِ الظَّاهِرِ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ أَيْ الْمَشْهُورَةُ أَوْ الْمُتَوَاتِرَةُ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ أَيْ لِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ لَصَارَ مِثْلَ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بِمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَوْلَهُ (وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ) اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْلِ.
فَإِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ يُقْبَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute