. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ إلَّا بِتَعَسُّفٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّأْوِيلُ مَعَ التَّعَسُّفِ لَبَطَلَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْكَلَامِ كُلِّهِ وَيَجِبُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْهُ إلَّا حِكَايَةً عَنْ الْغَيْرِ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِنَصِّ الْكِتَابِ أَوْ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ لِلْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ قَطْعِيَّةٌ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ بِوَجْهٍ بَلْ الظَّنِّيُّ يَسْقُطُ بِمُقَابَلَةِ الْقَطْعِيِّ فَإِنْ خَالَفَ خَبَرُ الْوَاحِدِ عُمُومَ الْكِتَابِ أَوْ ظَاهِرَهُ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ وَتَرْكُ الظَّاهِرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْخَاصِّ وَالنَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَيْ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ حَتَّى إنَّ الْعَامَّ مِنْ الْكِتَابِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] لَا يُخَصُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَرَمُ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ» وَلَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ» وَلَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] الْآيَةُ بِحَدِيثِ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ وَيَثْبُتُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَعُمُومَاتُهُ لَا تُوجِبُ الْيَقِينَ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَمُعَارَضَتُهَا بِهِ عِنْدَهُمْ.
وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا أَفَادَتْ عُمُومَاتُ الْكِتَابِ وَظَوَاهِرُ الْيَقِينِ كَالنُّصُوصِ وَالْخُصُوصَاتُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَمُعَارَضَتُهَا بِهِ فَأَمَّا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا ظَنِّيَّةً مِنْ مَشَايِخِنَا مِثْلَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ تَخْصِيصُهَا بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فَوْقَ الِاحْتِمَالِ فِي الْعَامِّ وَالظَّاهِرِ مِنْ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُوَ احْتِمَالُ إرَادَةِ الْبَعْضِ مِنْ الْعُمُومِ وَإِرَادَةُ الْمَجَازِ مِنْ الظَّاهِرِ وَلَكِنْ لَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِ مَتْنِهِمَا أَيْ نَظْمِهِمَا وَعِبَارَتِهِمَا وَالشُّبْهَةُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ مَتْنِهِ وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ نَصًّا فِي مَعْنَاهُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مُودَعٌ فِي اللَّفْظِ وَتَابِعٌ لَهُ فِي الثُّبُوتِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَتْنُ أَصْلٌ وَالْمَعْنَى فَرْعٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ الشُّبْهَةُ الْمُتَمَكِّنَةُ فِي اللَّفْظِ فِي ثُبُوتِ مَعْنَاهُ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ مُنْكِرُ لَفْظِهِ وَلَا مُنْكِرُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ مُنْكِرِ الظَّاهِرِ وَالْعَامِّ مِنْ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَلَا تَخْصِيصُ عُمُومِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الْأَقْوَى بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الصَّحَابَةَ خَصُّوا قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: ١٢] {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: ١٢] بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» فِي شَوَاهِدَ لَهَا كَثِيرَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ.
قُلْنَا: هَذِهِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute