للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهِمَا إذَا اخْتَلَفَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ سَقَطَ التَّعَارُضُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَمُوسُ، وَقَالَ {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] وَالْغَمُوسُ دَاخِلٌ فِي هَذَا اللَّغْوِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ الْمُثْبِتَةَ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ وَالْمُؤَاخَذَةَ الْمَنْفِيَّةَ مُقَيَّدَةٌ بِدَارِ الِابْتِلَاءِ فَصَحَّ الْجَمْعُ وَبَطَلَ التَّدَافُعُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ وَمِثَالُهُ كَثِيرٌ

ــ

[كشف الأسرار]

عَنْ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ أَيْضًا، قَوْلُهُ (وَمِثَالُ مَا قُلْنَا) مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ مِنْ النُّصُوصِ وَبَيْنَ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا مِنْ الْقِيَاسِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ مَا إذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ فِي مَحَلٍّ مُبْهَمٍ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَيْكُمَا طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ أَحَدَيْكُمَا حُرَّةٌ وَمَا إذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ فِي مَحَلٍّ عُيِّنَ ثُمَّ نَسِيَهُ بِأَنْ قَالَ لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لِإِحْدَى أَمَتَيْهِ أَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ نَسِيَ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُعْتَقَةَ فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ الْجَهْلِ الْمَحْضِ كَمَا فِي الْقِيَاسَيْنِ، وَقَدْ كَانَ تَعْيِينُ الْمَحَلِّ مَمْلُوكًا لَهُ شَرْعًا كَابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ فَبِمُبَاشَرَةِ الْإِيقَاعِ أَسْقَطَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَمْ يُسْقِطْ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ فِي التَّعْيِينِ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْخِيَارُ ثَابِتًا لَهُ شَرْعًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ وَرَاءَ الْإِبْهَامِ مَحَلٌّ يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ أَيْ بَعْدَمَا أَوْقَعَ أَصْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ مُبْهَمًا بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ أَيْ الْإِيجَادَ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ وَهُوَ تَعْيِينُ الْمَحَلِّ.

أَوْ مَعْنَاهُ بَعْدَمَا أَوْقَعَ أَصْلَ الطَّلَاقِ مُبْهَمًا بَقِيَ مَحَلٌّ يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ وَهُوَ ذَاتُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْمَحَلِّ عَلَى مَا عُرِفَ فَتَبْقَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِتَصَرُّفِهِ، فَصَلُحَ الْمِلْكُ أَيْ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ دَلِيلًا لِوِلَايَةِ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ كَالْقِيَاسَيْنِ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجَّةً فِي حَقِّ الْعَمَلِ ثَبَتَ فِيهِمَا التَّخْيِيرُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ قَدْ نَزَلَ فِي أَحَدَيْهِمَا وَخَرَجَ الْمَحَلُّ عَنْ مِلْكِهِ وَالتَّعَارُضُ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ لِجَهْلِهِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي عَيَّنَهُ عِنْدَ الْإِيقَاعِ وَجَهْلُهُ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ شَرْعًا، وَلَوْ جُعِلَ إلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ صَرْفِ الْحُرْمَةِ عَنْ مَحَلِّهَا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا كَمَا فِي تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ لَمَّا ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى الْجَهْلِ بِالنَّاسِخِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ إذْ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَكَانَ فِيهِ صَرْفُ الْحَقِيقَةِ عَنْ حُجَّةٍ إلَى مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ

[كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ]

قَوْلُهُ (وَإِذَا عَرَفْتَ رُكْنَ الْمُعَارَضَةِ) يَعْنِي لَمَّا عَلِمْت أَنَّ رُكْنَ الْمُعَارَضَةِ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنَّ شَرْطَهَا اتِّحَادُ الْمَحَلِّ وَالْوَقْتِ كَمَا بَيَّنَّا، وَجَبَ أَنْ تَبْنِيَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا عَرَفْت كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ التَّعَارُضِ عَلَى سَبِيلِ الْعَدَمِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَعْدَمُهُ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ ثَابِتَةٌ لِعَدَمِ رُكْنِهَا وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُجَّتَيْنِ أَوْ عَدَمِ شَرْطِهَا وَهُوَ عَدَمُ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَوْ الْوَقْتِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَّا فَمَا ذُكِرَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْمُعَارَضَةِ هُوَ الْمَخْلَصُ مِنْهَا عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِهَا وَتَسْلِيمِهَا وَهَذَا هُوَ الْمَخْلَصُ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ مِثْلُ الْمُحْكَمِ يُعَارِضُهُ الْمُجْمَلُ أَوْ الْمُتَشَابِهُ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] مُحْكَمٌ فِي نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] لِأَنَّهُ مُتَشَابِهٌ لِانْتِفَاءِ رُكْنِ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ التَّسَاوِي فِي الْحُجَّتَيْنِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ مُسْتَدِلٌّ فِي حِلِّ الْبَيْعِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] لَا يَكُونُ لِخَصْمِهِ أَنْ يُعَارِضَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فَلَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَمِثْلُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورُ مِنْ السُّنَّةِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] لَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَمِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحُجَّتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْحُكْمُ) فَكَذَا إنَّمَا يُطْلَبُ الْمَخْلَصُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُعَارَضَةِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الَّذِي يُثْبِتُهُ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ عَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>