للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَبَنُ الْأَتَانِ وَلَمْ يَزُلْ الْحَدَثُ بِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَوَجَبَ ضَمُّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ فَسُمِّيَ مُشْكِلًا لَا أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْجَهْلَ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَكَذَلِكَ جَوَابُهُمْ فِي الْمَفْقُودِ، وَمِثَالُ مَا قُلْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ وَبَيْنَ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا أَيْضًا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ فِي مَحَلٍّ مِنْهُمْ يُوجِبُ الِاخْتِيَارَ؛ لِأَنَّ وَرَاءَ الْإِبْهَامِ مَحَلًّا يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ فَصَلُحَ الْمِلْكُ فِيهِ دَلِيلًا لِوِلَايَةِ الِاخْتِيَارِ فَإِذَا طَلَّقَ عَيْنًا ثُمَّ نَسِيَ لَمْ يَجُزْ الْخِيَارُ بِالْجَهْلِ.

وَإِذَا عَرَفْت رُكْنَ الْمُعَارَضَةِ وَشَرْطَهَا وَجَبَ أَنْ تَبْنِيَ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةَ الْمَخْلَصِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَدَمِ مِنْ الْأَصْلِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: مِنْ قِبَلِ الْحُجَّةِ، وَمِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ، وَمِنْ قِبَلِ الْحَالِ، وَمِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ صَرِيحًا، وَمِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ دَلَالَةً.

أَمَّا مِنْ قِبَلِ نَفْسِ الْحُجَّةِ فَأَنْ لَا يَعْتَدِلَ الدَّلِيلَانِ فَلَا يَقُومُ الْمُعَارَضَةُ مِثْلُ الْمُحْكَمِ يُعَارِضُهُ الْمُجْمَلُ وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ الْمَشْهُورُ مِنْ السُّنَّةِ يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ رُكْنَهَا اعْتِدَالُ الدَّلِيلَيْنِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ» فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرَقَ الْحِمَارُ وَلِأَنَّ مَعْنَى الضَّرُورَةِ فِي عَرَقِهِ ظَاهِرٌ لِمَنْ يَرْكَبُهُ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي لُعَابِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَعَرَقِهِمَا إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: فِي رِوَايَةٍ قَدَّرَهُ بِالدِّرْهَمِ وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّرَهُ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَمَالِي وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ نَجِسٌ إلَّا أَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يَفْسُدُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَوْلُهُ (وَلَبَنُ الْأَتَانِ) أَيْ هُوَ طَاهِرٌ كَسُؤْرِهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ نَجِسٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ، وَعَنْ عَيْنِ الْأَئِمَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرُورَةٌ فَسُمِّيَ مُشْكِلًا لِمَا قُلْنَا.

ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِطَهَارَتِهِ وَلَا بِنَجَاسَتِهِ وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْكِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ أَنَّهُ شُرِعَ مُشْكِلًا حَقِيقَةً بَلْ سُمِّيَ مُشْكِلًا لِمَا قُلْنَا مِنْ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَوُجُوبِ ضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ. لَا أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْجَهْلَ: أَيْ لَا أَنْ يَعْنِيَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ حُكْمَهُ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الِاسْتِعْمَالِ وَانْتِفَاءُ النَّجَاسَةِ وَضَمُّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْخُنْثَى) أَيْ وَمِثْلُ الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ مِنْ تَقْرِيرِ الْأُصُولِ وَالْعَمَلِ بِالِاحْتِيَاطِ عِنْدَ وُقُوعِ الْإِشْكَالِ الْجَوَابُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَيْضًا وَهُوَ الشَّخْصُ الَّذِي لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَعْنِي الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا أُشْكِلَ حَالُهُ بِتَعَارُضِ الْجِهَتَيْنِ وَجَبَ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ وَالْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي مَوْضِعِهِ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الذُّكُورِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَبِمَنْزِلَةِ الْإِنَاثِ فِي الْبَعْضِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي كُلِّ حُكْمٍ فَيُقَالُ أَكْبَرُ النَّصِيبَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ أَعْنِي نَصِيبَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَيَتَأَخَّرُ عَنْ الرِّجَالِ وَيَتَقَدَّمُ عَلَى النِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا وَلَا يَخْتِنْهُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ لِاشْتِبَاهِ حَالِهِ بَلْ تُشْتَرَى أَمَةٌ تَخْتِنْهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى، وَالْأَلِفُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ كَمَا فِي حُبْلَى وَالْبُشْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَةُ وَيُؤَنَّثَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَظَرُوا إلَى عَدَمِ تَحَقُّقِ التَّأْنِيثِ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يُلْحِقُوا عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ فِي وَصْفِهِ وَضَمِيرِهِ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورَةِ.

وَقَدْ يُوصَفُ الرَّجُلُ بِهِ أَيْضًا فَيُقَالُ رَجُلٌ خُنْثَى وَرِجَالٌ خَنَاثَى وَخِنَاثٌ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَعَمْرُك مَا الْخِنَاثُ بَنُو قُشَيْرٍ ... بِنِسْوَانٍ يَلِدْنَ وَلَا رِجَالِ

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ جَوَابُهُمْ) أَيْ جَوَابُ عُلَمَائِنَا فِي الْمَفْقُودِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ وَجَبَ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ فَجُعِلَ حَيًّا فِي مَالِهِ حَتَّى لَا يُورَثَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ وَمَيِّتًا فِي مَالِ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>