للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الرُّخَصُ فَأَرْبَعَةٌ نَوْعَانِ مِنْ الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ مِنْ الْآخَرِ وَنَوْعَانِ مِنْ الْمَجَازِ أَحَدُهُمَا أَتَمُّ مِنْ الْآخَرِ أَمَّا أَحَقُّ نَوْعَيْ الْحَقِيقَةِ فَمَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَقِيَامُ حُكْمِهِ جَمِيعًا فَهُوَ الْكَامِلُ فِي الرُّخْصَةِ مِثْلُ الْمُكْرَهِ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاؤُهَا وَالْعَزِيمَةُ فِي الصَّبْرِ حَتَّى يُقْتَلَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ قَائِمَةٌ لِوُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيمَانِ لَكِنَّهُ رُخِّصَ لِعُذْرٍ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ يَفُوتُ بِالْقَتْلِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَفُوتُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بَاقٍ وَلَا يَفُوتُ صُورَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ صَحَّ، وَلَيْسَ التَّكْرَارُ رُكْنًا لَكِنْ فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ هَتْكٌ لِحَقِّهِ ظَاهِرًا فَكَانَ لَهُ تَقْدِيمُ حَقِّ نَفْسِهِ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ، وَإِنْ شَاءَ بَذَلَ نَفْسَهُ حِسْبَةً فِي دِينِهِ لِإِقَامَةِ حَقِّهِ فَهَذَا مَشْرُوعٌ قُرْبَةً فَبَقِيَ عَزِيمَةً وَصَارَ بِهَا مُجَاهِدًا

ــ

[كشف الأسرار]

بِبَعْضِ الْمَالِ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُبْطِلَهُ بِالرُّجُوعِ فَكَذَا إذَا أَتَى بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَصَارَ مُسْلَمًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ أَنْ لَا يُبْطِلَهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الْبَاقِي، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ الصَّدَقَةِ يَبْقَى صَدَقَةً بِدُونِ مَا لَمْ يُوجَدْ، وَالْقَدْرُ الْمَوْجُودُ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَبْقَى قُرْبَةً بِدُونِ الْبَاقِي فَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ هَاهُنَا، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الصَّدَقَةِ.

فَأَمَّا إبَاحَةُ الْإِفْطَارِ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ فَرَخَّصَهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَظْرِ وَلِذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ أَفْضَلَ وَذَلِكَ كَمَنْ صَلَّى الْفَرْضَ وَرَأَى بِقُرْبِهِ صَبِيًّا كَادَ يَحْتَرِقُ أَوْ يَغْرَقُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ أُبِيحَ لَهُ قَطْعُ الْفَرْضِ وَاسْتِنْقَاذُ الصَّبِيِّ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلصَّبِيِّ عَنْ الْهَلَاكِ، وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُرَخَّصُ لَهُ الْإِفْطَارُ احْتِرَازًا عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ، وَصِحَّةُ الْخَلْوَةِ مَمْنُوعَةٌ أَيْضًا بَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي طَرِيقَتِهِ.

وَأَمَّا الشُّرُوعُ فِي النَّفْلِ قَائِمًا، وَإِتْمَامُهُ قَاعِدًا أَوْ نِيَّةُ الْأَرْبَعِ مَعَ التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَفَارَقَا النَّذْرَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَا وَرَاءَ الرَّكْعَتَيْنِ وَصِفَةُ الْقِيَامِ لَيْسَا بِشَرْطَيْنِ لِبَقَاءِ الْمُؤَدَّى عِبَادَةً وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّ وُجُوبَ الْبَاقِي لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى لَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَإِبَاحَةَ الْإِفْطَارِ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ وَاقْتِدَاءَهُ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَفْلٌ.

وَأَمَّا فَضْلُ الْمَظْنُونِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ مَا قَالَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى انْعَقَدَ عِبَادَةً فَيَجِبُ صِيَانَتُهَا بِالْمُضِيِّ فِيهِ إلَّا عُلَمَاءَنَا اسْتَحْسَنُوا وَقَالُوا إنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الشُّرُوعُ صَادَفَ الْوَاجِبَ فَيَلْغُو؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ ظُهْرُ الْيَوْمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِمَا عِنْدَهُ لَا بِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ عِنْدَهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ فَكَانَ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ أَوْ صَوْمِ الْقَضَاءِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَا يَجِبُ بِهَذَا الشُّرُوعِ وَالْإِفْسَادِ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا. وَنَحْنُ لَا نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ الْقُرَبِ يَلْزَمُ حِفْظُهَا وَيَضْمَنُ بِإِفْسَادِهَا بَلْ يَجِبُ عِبَادَةُ نَفْلٍ الْتَزَمَهَا وَحَصَّلَهَا بِاخْتِيَارِهِ، وَهَذِهِ الْقُرْبَةُ حَصَلَتْ لَهُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَإِذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا لِلْعُهْدَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُوجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ فِعْلُهُ عِبَادَةً أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي قَصَدَ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالنَّفَلُ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً بِدُونِ الْقَصْدِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ نَفْلًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ نَظَرًا لَهُ فَجَعَلَهُ مُنْعَقِدًا فِيمَا لَهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّهُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلثَّوَابِ، وَلَا يُجْعَلُ مُنْعَقِدًا فِيمَا لَهُ فِيهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الصِّيَانَةِ عَلَيْهِ. وَهُوَ كَالْقُرَبِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لَمَّا شُرِعَتْ نَظَرًا لَهُ تُجْعَلُ مَشْرُوعَةً فِيمَا لَهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَلَمْ تُجْعَلْ مَشْرُوعَةً فِيمَا لَهُ فِيهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ الْوُجُوبُ. وَالسُّنَنُ كَثِيرَةٌ يَعْنِي لَا احْتِيَاجَ إلَى إيرَادِ النَّظَائِرِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهَا كُتُبُ الْفُرُوعِ.

[أَقْسَام الرُّخَصُ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الرُّخَصُ) ، وَلَمَّا إذَا كَانَتْ الرُّخَصُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَأَعْذَارُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الرُّخَصِ فَانْقَسَمَتْ عَلَى أَنْوَاعٍ أَرْبَعَةٍ. أَحَقُّ مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ مِنْ حَقِّ الشَّيْءِ إذَا ثَبَتَ أَيْ أَحَدُهُمَا فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقَّ لَك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا أَيْ أَنْتَ خَلِيقٌ بِهِ يَعْنِي فِي إطْلَاقِ اسْمِ الرُّخْصَةِ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. أَتَمُّ مِنْ الْآخَرِ أَيْ أَكْمَلُ فِي كَوْنِهِ مَجَازًا. فَمَا اُسْتُبِيحَ أَيْ سَقَطَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>