للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُنَا فِي بَيَانِ حُكْمِ الْعِلَّةِ إنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْفَرْعِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عَلَى احْتِمَالِ الْخَطَأِ رَاجِعٌ إلَى فَصْلٍ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ قَطْعًا وَتُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَنَازِلِهِمْ فِي الِاجْتِهَادِ) وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ:

ــ

[كشف الأسرار]

وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحُسْنِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ الطَّبْعَ قَدْ يَمِيلُ إلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَقَامِ الذَّمِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٣] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} [النحل: ١٠٧] فَعَرَفْنَا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَفْصَحُ، وَأَقْوَى مِنْ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ يَعْنِي فِي بَابِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ.

ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَ التَّلْفِيقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ: وَقَوْلُنَا كَذَا رَاجِعٌ إلَى فَصْلٍ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلَلِ أَيْ أَحْكَامِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ. لَا يَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُكْمُ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ. وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ أَيْ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ بِالْقِيَاسِ كَذَا.

[بَابُ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ]

[شَرْطُ الِاجْتِهَادِ]

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ) .

إنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي اجْتِهَادِهِمْ لَا مَحَالَةَ إذْ احْتِمَالُ الْخَطَأِ قَائِمٌ فِي اجْتِهَادِهِمْ، وَمَنَازِلُهُمْ فِي الِاجْتِهَادِ أَيْ الْمُصِيبُ مِنْهُمْ مَأْجُورٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُخْطِئُ مَأْجُورٌ أَوْ مَعْذُورٌ أَوْ مُعَاتَبٌ مُخَطَّأٌ. قَوْلُهُ: (وَالْكَلَامُ فِي هـ) أَيْ فِي الِاجْتِهَادِ فِي شَرْطِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ نَفْسَ الِاجْتِهَادِ لِشُهْرَتِهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي تَحْقِيقِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَمَشَقَّةٌ فَيُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الرَّحَى، وَلَا يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ خَرْدَلَةٍ أَوْ نَوَاةٍ لَكِنْ صَارَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ مَخْصُوصًا بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ. وَالِاجْتِهَادُ التَّامُّ أَنْ يَبْذُلَ الْوُسْعَ فِي الطَّلَبِ بِحَيْثُ يُحِسُّ مِنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ عَنْ مَزِيدِ طَلَبٍ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ هُوَ بَذْلُ الْجُهْدِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ شَوَاهِدِهَا الدَّالَّةِ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَيْهَا، وَقِيلَ هُوَ طَلَبُ الصَّوَابِ بِالْأَمَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَاحْتَرَزَ بِالْفَقِيهِ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ اسْتِفْرَاغَ النَّحْوِيِّ أَوْ الْمُتَكَلِّمِ الَّذِي لَا فِقْهَ لَهُ لِتَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى اجْتِهَادًا. وَبِقَوْلِهِ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ لِتَحْصِيلِ عِلْمٍ كَطَلَبِهِ النَّصَّ فِي حَادِثَةٍ وَظَفَرِهِ بِهِ. وَبِقَوْلِهِ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَنْ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ وَالْحِسِّيِّ وَالْعُرْفِيِّ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ تَفْسِيرِ الِاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدُ وَالْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَالْمُجْتَهِدُ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي لَا قَاطِعَ فِيهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ الظَّنَّ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْقَاطِعِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ، وَمَسَائِلُ الْكَلَامِ وَوُجُوبُ أَرْكَانِ الشَّرْعِ، وَمَا اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ مِنْ جَلِيَّاتِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً لَكِنَّ فِيهَا دَلَائِلَ قَطْعِيَّةً.

ثُمَّ قِيلَ هُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. فَرْضُ عَيْنٍ، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَنَدْبٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ.

وَالثَّانِيَةُ اجْتِهَادُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهِ بِأَنْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي حَالَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا إذَا نَزَلَتْ حَادِثَةٌ بِأَحَدٍ فَاسْتَفْتَى أَحَدَ الْعُلَمَاءِ كَانَ الْجَوَابُ فَرْضًا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَأَخَصُّهُمْ بِفَرْضِهِ مَنْ خُصَّ بِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَادِثَةِ فَإِنْ أَجَابَ وَاحِدٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ أَمْسَكُوا مَعَ ظُهُورِ الْجَوَابِ وَالصَّوَابِ لَهُمْ أَثِمُوا، وَإِنْ أَمْسَكُوا مَعَ الْتِبَاسِهِ عَلَيْهِمْ عُذِرَ، وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الطَّلَبُ، وَكَانَ فَرْضُ الْجَوَابِ بَاقِيًا عِنْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>