(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى)
وَهُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَا هُوَ صِدْقٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَهُوَ خَبَرُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَلِكَ هُوَ الْمُتَوَاتِرُ مِنْهُ، وَقِسْمٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِسْمٌ مُحْتَمَلٌ تَرْجِيحُ جَانِبِ صِدْقِهِ وَهُوَ مَا مَرَّ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَقِسْمٌ مُحْتَمَلٌ عَارَضَ دَلِيلَ رُجْحَانِ الصِّدْقِ مِنْهُ مَا أَوْجَبَ وَقْفَهُ فَلَمْ يَقُمْ بِهِ الْحُجَّةُ وَذَلِكَ مِثْلُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَسْقُطُ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ الْخَبَرُ الْمَطْعُونُ الَّذِي رَدَّهُ السَّلَفُ وَأَنْكَرُوهُ وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَحِقَهُ الطَّعْنُ وَالنَّكِيرُ مِنْ رَاوِي الْحَدِيثِ وَنَوْعٌ آخَرُ مَا لَحِقَهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الرَّاوِي.
وَهَذَا (بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي)
وَهَذَا النَّوْعُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مَا أَنْكَرَهُ صَرِيحًا، وَالثَّانِي أَنْ يَعْمَلَ بِخِلَافِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ أَوْ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ أَوْ لَا يَعْرِفُ تَارِيخَهُ،
ــ
[كشف الأسرار]
كَمَا سَمِعَهَا.
وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوا إنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَخْصُوصٌ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَلَا يُؤْمَنُ فِي النَّقْلِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ؛ لِأَنَّا لَمْ نُجَوِّزْ النَّقْلَ فِي الْجَوَامِعِ وَلَا فِيمَا لَا يُؤْمَنُ فِيهِ عَنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ إنَّمَا جَوَّزْنَاهُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُ عَالِمًا بِأَوْضَاعِ الْكَلَامِ أَوْ فِيمَا لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُ جَامِعًا بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفِقْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُؤْمَنُ فِيهِ عَنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ عَادَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَفِي تَفْصِيلِ الرُّخْصَةِ جَوَابٌ عَمَّا قَالَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا تَمَسُّك لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَمَا سَمِعَ لَيْسَ بِمُقْتَصِرٍ عَلَى نَقْلِ الْمَعْنَى أَيْضًا فَإِنَّ الشَّاهِدَ أَوْ الْمُتَرْجِمَ إذَا أَدَّى الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ يُقَالُ إنَّهُ أَدَّى كَمَا سَمِعَ وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّأْدِيَةَ حَسَبَ مَا سَمِعَ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِرُجُوعِ الضَّمَائِرِ إلَى الْمُقَابَلَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْمَنْعِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا لِمَنْ حَفِظَ اللَّفْظَ وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ لَا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى]
(بَابُ تَقْسِيمِ الْخَبَرِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) قُسِّمَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ بَابِ بَيَانِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْخَبَرِ وَقِسْمٌ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَاهُ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَشَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ رَاجِعًا إلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهَا فِي الْقُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى إذْ الْمُتَوَاتِرُ وَالْمَشْهُورُ وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى سَوَاءٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُوَّةَ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ لَا صُورِيٌّ.
قَوْلُهُ (وَقِسْمٌ مُحْتَمَلٌ عَارَضَ دَلِيلَ رُجْحَانِ الصِّدْقِ مِنْهُ مَا أَوْجَبَ وَقْفَهُ) أَيْ عَارَضَ كَوْنَهُ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعَمَلِ مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ غَيْرَ حُجَّةٍ وَيَمْنَعُهُ عَنْ إيجَابِ الْعَمَلِ وَيَجِبُ فِيهِ التَّوَقُّفُ مِثْلُ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَنَحْوِهِ
[بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي]
(بَابُ مَا يَلْحَقُهُ النَّكِيرُ مِنْ قِبَلِ رَاوِيهِ)
النَّكِيرُ اسْمٌ لِلْإِنْكَارِ أَيْ يَلْحَقُهُ إنْكَارٌ مِنْ قِبَلِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَيُسَمَّى رَاوِيًا بِاعْتِبَارِ نَقْلِهِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَمِنْ قِبَلِ عَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ نَقْلِ السَّامِعِ عَنْهُ، وَفِي الصِّحَاحِ النَّكِيرُ وَالْإِنْكَارُ تَغَيُّرُ الْمُنْكَرِ فَكَأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ بِالطَّعْنِ وَالتَّكْذِيبِ يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ الَّذِي ارْتَكَبَهُ الرَّاوِي عَلَى زَعْمِهِ قَوْلُهُ (أَمَّا إذَا أَنْكَرَهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ الرِّوَايَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ) ذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُطْلَقًا وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَمَّا إنْ أَنْكَرَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ إنْكَارَ جَاحِدٍ مُكَذِّبٍ بِأَنْ قَالَ مَا رَوَيْتُ لَك هَذَا الْحَدِيثَ قَطُّ أَوْ كَذَبْت عَلَيَّ أَوْ أَنْكَرَهُ إنْكَارَ مُتَوَقِّفٍ بِأَنْ قَالَ لَا أَذْكُرُ أَنِّي رَوَيْت لَك هَذَا الْحَدِيثَ أَوْ لَا أَعْرِفُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُكَذِّبٌ لِلْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَذِبِ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْقَدْحِ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنْ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِمَا لِلتَّيَقُّنِ بِعَدَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ وَوُقُوعِ الشَّكِّ فِي زَوَالِهَا فَلَا يُتْرَكُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ كَبَيِّنَتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ لَمْ تُقْبَلَا وَلَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُمَا وَفَائِدَتُهُ