للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الِاتِّحَادُ فِي الْقَبِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: ٦٥] وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ وَالْمُشْتَرَكِ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِدُونِ الْبَيَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي يَعْتِقُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاوِرَةٍ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ نَصًّا وَلَا تَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَلَمْ يَصِرْ الْعِتْقُ بِدُونِ الْوَاسِطَةِ حُكْمَ نَصِّهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ كِنَايَةً عَنْهُ كَشِرَاءِ الْأَبِ لَا يَكُونُ إعْتَاقًا إلَّا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَمَتَى لَمْ يُوجِبْ الشِّرَاءُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ إعْتَاقًا.

وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا جَدِّي؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ فَمَا لَمْ يُثْبِتْ الْوَاسِطَةَ نَصًّا أَوْ مُقْتَضَى ثُبُوتِ النَّسَبِ لَمْ يُوجِبْ عِتْقًا فِي مِلْكِهِ فَلَا يَصِيرُ حُكْمًا لَهُ فَلَا يَصِيرُ كِنَايَةً عَنْهُ فَأَمَّا الْوِلَادُ فَنَفْسُهُ عِلَّةُ الْعِتْقِ مَعَ الْمِلْكِ وَقَدْ نَطَقَ بِالْوِلَادِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ فَيَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ أَنْ لَا رِوَايَةَ فِي قَوْلِهِ هَذَا جَدِّي فَنَقُولُ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي فَلَا يُوجِبُ الْعِتْقَ وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ بِنْتِي حُكْمُهُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ بِجِهَةِ الْبِنْتِيَّةِ وَهَذَا الذَّاتُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِتِلْكَ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا فَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إضَافَةِ الْعِتْقِ إلَى الْحِمَارِ فَتَلْغُو.

وَلِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ يَاقُوتٌ أَصْفَرُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ الْمُسَمَّى وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْعَبْدِ وَسُمِّيَ أُنْثَى فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إيجَابًا وَلَا إقْرَارًا فِي الْمَعْدُومِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْبِنْتَ مَجَازًا لِلِابْنِ بِوَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إذَا قَالَ فَقَأْت عَيْنَك وَعَيْنَاهُ صَحِيحَتَانِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا يُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ الْأَرْشِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْفُقَهَاء؛ لِأَنَّ الفقاء لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ أَرْشًا فِي حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ ضَرْبٌ حَتَّى ذَهَبَ نُورَ الْعَيْنِ وَوَجَبَ الْأَرْشُ ثُمَّ بَرَأَتْ وَعَادَ نُورُهَا أَوْ كَانَ قَلَعَ سِنًّا فَيَثْبُتُ لَمْ يَلْزَمْ الْجَانِيَ شَيْءٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ لَمْ يُوجِبْ أَرْشًا حَالَ عَدَمِ أَثَرِهَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ كِنَايَةً عَنْهُ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَدْفَعُ النُّقُوضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ]

قَوْلُهُ (وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْبَابِ) أَيْ بَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّوْعِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مَتَى أَمْكَنَ سَقَطَ الْمَجَازُ يَعْنِي إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَاللَّفْظُ لِحَقِيقَتِهِ إلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ رَأَيْت الْيَوْمَ حِمَارًا أَوْ اسْتَقْبَلَنِي أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَلِيدِ وَالشُّجَاعِ إلَّا بِقَرِينَةٍ زَائِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَاللَّفْظُ لِلْبَهِيمَةِ وَالسَّبُعِ وَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُجْمَلًا يَجِبُ الْوَقْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِمَا وَأَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجَازُ كَمَا أَمْكَنَ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْحَقِيقَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجَازَ الَّذِي قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَالِاسْتِعْمَالُ أَوْلَى بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَهُ حَقِيقَةً لَا يُؤَثِّرُ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَإِذَا حُمِلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْغَالِبِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>