كَلِمَةُ مَا وَهِيَ عَامَّةٌ فِي ذَوَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ وَصِفَاتُ مَنْ يَعْقِلُ تَقُولُ مَا فِي الدَّارِ جَوَابُهُ شَاةٌ أَوْ فَرَسٌ وَتَقُولُ مَا زَيْدٌ وَجَوَابُهُ عَاقِلٌ أَوْ عَالِمٌ وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِكِ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ غُلَامًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: ٢٨٤] .
وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الَّذِي فِي مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا
ــ
[كشف الأسرار]
هَهُنَا (فَإِنْ قِيلَ) فَهَلَّا جَعَلْت كَلِمَةَ مَنْ بِمَعْنَى كَلِمَةِ كُلٍّ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ فِيمَا إذَا دَخَلَهُ جَمَاعَةٌ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْلٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ كُلٍّ.
أَوْ بِمَعْنَى كَلِمَةِ الْجَمِيعِ فَيَكُونُ لِلْكُلِّ نَفْلٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الْجَمِيعِ (قُلْنَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِحَاطَةِ وَلَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ قَصْدًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْعُمُومُ فِيهَا ضَرُورَةَ إبْهَامِهَا كَعُمُومِ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ اشْتِرَاكٌ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَوْضُوعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْإِحَاطَةُ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ وَالْإِحَاطَةُ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِعَارَةُ (فَإِنْ قِيلَ) فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذْ لَوْ دَخَلَ فِيهِ جَمْعٌ اسْتَحَقُّوا نَفْلًا وَاحِدًا عَمَلًا بِحَقِيقَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ يَسْتَحِقُّهُ أَيْضًا عَمَلًا بِمَجَازِهِ (قُلْنَا) لَيْسَ الْمُرَادُ كِلَيْهِمَا بَلْ الْمُرَادُ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الدُّخُولُ أَوَّلًا لَا يُوجَدُ إلَّا فِي وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ يُعْمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي وَاحِدٍ يُعْمَلُ بِمَجَازِهِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إنْ لَوْ تَصَوَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا بِأَنْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ أَوَّلًا وَاسْتَحَقُّوا النَّفَلَ وَدَخَلَ وَاحِدٌ أَوَّلًا أَيْضًا وَاسْتَحَقَّ النَّفَلَ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا كَذَا قِيلَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَدَمُ جَوَازِ الْجَمْعِ بِالنَّظَرِ إلَى الْإِرَادَةِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْوُقُوعِ وَفِي الْإِرَادَةِ الْجَمْعُ مُتَصَوَّرٌ بَلْ مُتَحَقِّقٌ فَلَا يَجُوزُ فَإِنَّ كَلِمَةَ مَنْ يَتَنَاوَلُ كَلِمَةً مَا عَامَّةً وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ فِي ذَوَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ وَفِي صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ فَإِذَا قِيلَ مَا فِي الدَّارِ يَسْتَقِيمُ فِي الْجَوَابِ فَرَسٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْجَوَابِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَذَا ذَكَرَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ.
[كَلِمَةُ مَا]
وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ مَنْ مُخْتَصَّةٌ بِالْعُقَلَاءِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَلِمَةِ مَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَعْنَى مَنْ يَصْلُحُ لِمَا يَعْقِلُ وَلِمَا لَا يَعْقِلُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَا لَا يَعْقِلُ كَاخْتِصَاصِ مَنْ بِمَنْ يَعْقِلُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فِيهِ أَنَّ مَا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْجِنْسِ تَقُولُ مَا عِنْدَك بِمَعْنَى أَيُّ أَجْنَاسِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَك وَجَوَابُهُ إنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ كِتَابٌ أَوْ طَعَامٌ. أَوْ عَنْ الْوَصْفِ تَقُولُ مَا زَيْدٌ وَمَا عَمْرٌو وَجَوَابُهُ الْكَرِيمُ أَوْ الْفَاضِلُ.
قَالَ وَلِكَوْنِ مَا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْجِنْسِ وَلِلسُّؤَالِ عَنْ الْوَصْفِ وَقَعَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ مُوسَى مَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا كَانَ جَاهِلًا بِاَللَّهِ مُعْتَقِدًا أَنْ لَا مَوْجُودَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ سِوَى الْأَجْسَامِ اعْتِقَادُ كُلِّ جَاهِلٍ لَا نَظِيرَ لَهُ ثُمَّ سَمِعَ مُوسَى قَالَ {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٦] سَأَلَ بِمَا عَنْ الْجِنْسِ سُؤَالَ مِثْلِهِ فَقَالَ {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٢٣] كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّ أَجْنَاسِ الْأَجْسَامِ وَهُوَ وَلَمَّا كَانَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَالِمًا بِاَللَّهِ أَجَابَ عَنْ الْوَصْفِ تَنْبِيهًا عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ الْمُمْتَازَةِ عَنْ حَقَائِقِ الْمُمْكِنَاتِ فَلَمَّا لَمْ يَتَطَابَقْ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ عِنْدَ فِرْعَوْنَ الْجَاهِلِ عَجِبَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ جَمَاعَةِ الْجَهَلَةِ فَقَالَ لَهُمْ {أَلا تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء: ٢٥] ثُمَّ اسْتَهْزَأَ بِمُوسَى وَجُنْدِهِ فَقَالَ {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: ٢٧] وَحِينَ لَمْ يَرَهُمْ مُوسَى يَفْطِنُونَ لِمَا نَبَّهَهُمْ عَلَيْهِ فِي الْكَرَّتَيْنِ مِنْ فَسَادِ مَسْأَلَتِهِمْ الْحَمْقَاءِ وَاسْتِمَاعِ جَوَابِهِ الْحَكِيمِ عَلَيْهِمْ غَلَّظَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: ٢٨] .
[كَلِمَةُ الَّذِي]
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الَّذِي) أَيْ وَمِثْلُ كَلِمَةِ مَا كَلِمَةُ الَّذِي فِي الْعُمُومِ. فِي مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ وَمَا وَنَظِيرُهَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ كَلِمَةُ الَّذِي فَإِنَّهَا مُبْهَمَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا يَعْقِلُ وَفِيمَا لَا يَعْقِلُ وَفِيهَا مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute