وَمِنْ ذَلِكَ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَهِيَ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَمَتَى وَمَتَى مَا وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَنْ وَمَا وَإِنَّمَا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْإِشَارَةِ وَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ وُضِعَ لِلشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ مَعْدُومٍ عَلَى خَطَرٍ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ
ــ
[كشف الأسرار]
بَعْدَ اسْمٍ مُفْرَدٍ نَحْوَ مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ غَيْرِ وَسِوَى أَنَّ غَيْرًا لَا يَكُونُ ظَرْفًا وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً بِمَنْزِلَةِ مِثْلِ لِأَنَّهُ نَقِيضُهُ تَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِك كَمَا تَقُولُ بِرَجُلٍ مِثْلِك وَسِوَى ظَرْفُ مَكَان مَنْصُوبًا أَبَدًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَكُونُ صِفَةً تَابِعَةً لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الظَّرْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى غَيْرٍ. وَبَيَانُ ظَرْفِيَّتِهِ أَنَّ الْعَرَبَ تُجْرِي الظُّرُوفَ الْمَعْنَوِيَّةَ مَجْرَى الظُّرُوفِ الْحَقِيقَةِ فَيَقُولُونَ جَلَسَ فُلَانٌ مَكَانَ فُلَانٍ وَلَا يَعْنُونَ إلَّا مَنْزِلَةً فِي الذِّهْنِ مَقْدِرَةً فَيَنْصِبُونَهُ نَصْبَ الظَّرْفِ الْحَقِيقَةِ وَيَسْتَعْمِلُونَ سِوَى أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَيَقُولُونَ مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك وَيَعْنُونَ مَكَانَك وَعِوَضًا مِنْك مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَزِمَ أَنْ يَنْتَصِبَ انْتِصَابَ الْمَكَانِ لِلظَّرْفِيَّةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ظَرْفِيَّتِهِ وُقُوعُهُ صِلَةً نَحْوَ جَاءَنِي الَّذِي سِوَاك بِخِلَافِ غَيْرٍ.
قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَمِمَّا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا ظَرْفًا سِوَى لَا تَقُولُ فِي السَّعَةِ هَذَا لِسِوَاك وَلَا عَلَى سِوَاك وَإِنَّمَا تَقُولُ بِمَنْ سِوَاك وَبِرَجُلٍ سِوَاك فَتُجْرِيهِ مَجْرَى قَوْلِك مَرَرْت بِرَجُلٍ مَكَانَك فَيَكُونُ مَنْصُوبًا فِي تَقْدِيرِ فِي مَكَانِك قُلْت قَامَ مَقَامَك وَنَزَلَ مَكَانَك كَمَا تَقُولُ أَخَذْت هَذَا بَدَلَ ذَلِكَ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَمِنْ تَابَعَهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا يُسْتَعْمَلُ اسْمًا بِمَعْنَى غَيْرٍ فَيُعْرَبُ كَغَيْرٍ مُتَمَسِّكِينَ بِالْبَيْتِ الْحَمَاسِيِّ:
وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعِدْوَانُ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
وَبِقَوْلِ الْآخَرِ:
وَلَا يَنْطِقُ الْمَكْرُوهَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ... إذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلَا مِنْ سَوَائِنَا
فَلَوْ لَزِمَ ظَرْفِيَّةُ سِوَى وَسَوَاءٍ لَمَا ارْتَفَعَ الْأَوَّلُ وَلَمَّا انْجَرَّ الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ لِضَرُورَةِ الشَّعْرِ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَالْكَلَامُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا ظَرْفًا. فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ سِوَى صِفَةً مِثْلَ غَيْرٍ.
قَالَ الْأَخْفَشُ إذَا كَانَ سِوَى بِمَعْنَى غَيْرٍ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ كَسْرُ السِّينِ وَضَمُّهَا مَعَ الْقَصْرِ وَفَتْحُهَا مَعَ الْمَدِّ تَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ سِوَاك وَسِوَاك وَسَوَاءَك أَيْ غَيْرِك كَذَا فِي الصِّحَاحِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسَائِلَ الْجَامِعِ فِي فَصْلِ مِنْ فَلَا نُعِيدُهَا.
[حُرُوفِ الشَّرْطِ]
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ بَابِ حُرُوفِ الْمَعَانِي حُرُوفُ الشَّرْطِ أَيْ كَلِمَاتُ الشَّرْطِ أَوْ أَلْفَاظُ الشَّرْطُ وَتَسْمِيَتُهَا حُرُوفًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا كَلِمَةٌ، إنْ وَهُوَ حَرْفٌ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ سِوَاهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَعَانٍ أُخَرَ سِوَى الشَّرْطِ. وُضِعَ لِلشَّرْطِ أَيْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَيْنُونَةِ مَا بَعْدَهُ شَرْطًا. قَالُوا مَعْنَى كَلِمَةِ (إنْ) رَبْطُ أَحَدِ الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُولَى شَرْطًا وَالثَّانِيَةُ جَزَاءً يَتَعَلَّقُ وُقُوعُهَا بِوُقُوعِ الْأُولَى كَقَوْلِك إنْ تَأْتِنِي أُكْرِمْك يَتَعَلَّقُ الْإِكْرَامُ بِالْإِتْيَانِ. وَإِنَّمَا تَدْخُلُ أَيْ حَرْفُ إنْ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ أَيْ شَأْنٍ مَعْدُومٍ لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ أَوْ لِلْحَمْلِ وَمَنْعُ الْمَوْجُودِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ. عَلَى خَطَرٍ أَيْ تَرَدُّدٍ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُوجَدَ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَحِيلِ وَعَنْ الْفِعْلِ الْمُتَحَقِّقِ لَا مَحَالَةَ كَمَجِيءِ الْغَدِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ مَا كَانَ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ لَا يَجُوزُ فِيهِ إنْ وَلَا الْأَسْمَاءُ الْجَازِمَةُ لَا يُقَالُ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجْت وَمَتَى تَطْلُعْ الشَّمْسُ أَخْرُجْ لِأَنَّهَا طَالِعَةٌ خَرَجْت أَوْ لَمْ تَخْرُجْ وَالْجَزَاءُ بِإِنْ مَوْضُوعٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مُفْتَقِرٌ إلَى صَاحِبِهِ فِي وُجُودِهِ، وَانْتِفَاءَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْآخَرِ.
وَقَوْلُهُ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute