للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَقُولُ إنْ زُرْتنِي أَكْرَمْتُك وَلَا يَجُوزُ إنْ جَاءَ غَدٌ أَكْرَمْتُك وَأَثَرُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعِلَّةَ عَنْ الْحُكْمِ أَصْلًا حَتَّى يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ وَهَذَا يَكْثُرُ أَمْثِلَتُهُ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَتَطْلُقُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقُرْبِ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَمَّا إذَا فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ مِنْ الْكُوفِيِّينَ فِيهَا إنَّهَا تَصْلُحُ لِلْوَقْتِ وَلِلشَّرْطِ عَلَى السَّوَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِكَائِنٍ لَا مُحَالَ تَأْكِيدٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّرْطُ فِعْلٌ مُنْتَظَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ بِقَصْدِ نَفْيِهِ أَوْ إثْبَاتِهِ وَلَا يَتَعَقَّبُ الْكَلِمَةَ اسْمٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْخَطَرِ فِي الْأَسْمَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ وَدُخُولُ هَذَا الْحَرْفِ فِي الِاسْمِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: ١٧٦] {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: ١٢٨] . مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ عَلَى شَرْطِيَّةِ التَّفْسِيرِ أَوْ مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَقَّبُ حَرْفَ الشَّرْطِ هُوَ الْفِعْلُ دُونَ الِاسْمِ. وَأَثَرُهُ أَيْ أَثَرُ حَرْفِ إنْ أَنْ يَمْنَعَ الْعِلَّةَ عَنْ الْحُكْمِ أَيْ يَمْنَعُهَا عَنْ انْعِقَادِهَا عِلَّةً لِلْحُكْمِ. حَتَّى يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ أَيْ إلَى أَنْ يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَثَرُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْحُكْمَ عَنْ الْعِلَّةِ وَلَا يَمْنَعُ الْعِلَّةَ عَنْ الِانْعِقَادِ وَسَيَأْتِيك الْكَلَامُ فِيهِ مَشْرُوحًا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنْ إنْ لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ قُلْنَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثًا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّ إنْ لِلشَّرْطِ وَأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا شَرْطًا وَلَا يُتَيَقَّنُ بِوُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ مَا بَقِيَا حَيَّيْنِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْقَلِيلِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَكِنْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ. وَلَا يُقَالُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ لَدَى الشَّرْطِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ التَّكَلُّمِ قَبْلَ الْمَوْتِ حِينَ حَكَمْنَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ مُتَكَلِّمًا بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ لِحَقِيقَةِ التَّطْلِيقِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَلَا تَرَى الْعَاقِلُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَرْعًا. وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِهَا. وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَمُتْ فَفَعَلَ التَّطْلِيقَ فَيَتَحَقَّقُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ كَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَقَدْ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ فِعْلِ التَّطْلِيقِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِيقَاعَ مِنْ حُكْمِهِ الْوُقُوعُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقِبُهُ الْوُقُوعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِك فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ.

وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ إذَا مِنْ الظُّرُوفِ اللَّازِمَةِ ظَرْفِيَّتَهَا وَهُوَ مُضَافٌ أَبَدًا إلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَفِيهِ إبْهَامٌ فَنَاسَبَ الْمُجَازَاةَ إذْ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقْبَلًا مَجْهُولَ الشَّأْنِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ وَلِهَذَا اخْتَصَّ إذَا بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ. وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظَرْفًا غَيْرَ مُتَضَمَّنٍ لِلشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: ١] . وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ أَنَّ إذَا لَا يُجَازَى بِهَا إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ:

كَبَيْتِ الْكِتَابِ تَرَفَّعَ لِي خِنْدِفٌ وَاَللَّهُ يَرْفَعُ لِي ... نَارًا إذَا خَمَدَتْ نِيرَانُهُمْ تَقِدُ

قَالَ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُجْزَمَ بِهَا لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا عَلَى مَا يُنَاسِبُ التَّخْصِيصَ وَيَبْعُدُ مِنْ الْإِبْهَامِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إنْ الْأَتْرَاك تَقُولُ آتِيك إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك آتِيك الْوَقْتَ الَّذِي يَحْمَرُّ فِيهِ الْبُسْرُ وَلَوْ قُلْت آتِيك إنْ احْمَرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>