للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ سَبَبُ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ النَّمَاءَ مُعْتَبَرٌ فِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا بِالتَّمَكُّنِ بِهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَرْضُ هِيَ السَّبَبُ لَجَازَ تَعْجِيلُهُ كَالْخَرَاجِ، وَكَالزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى الْأَرْضِ يُقَالُ عُشْرُ الْأَرَاضِيِ، وَالْأَرْضُ تُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ، وَالشَّيْءُ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ فِي الْأَصْلِ، وَيَتَّصِفُ السَّبَبُ بِحُكْمِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ سَبَبُهُ مَالًا نَامِيًا، وَالْخَارِجُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةِ النَّمَاءِ بَلْ مُعَدٌّ لِلِانْتِفَاعِ وَالْإِتْلَافُ إنَّمَا الْأَرْضُ هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِهِ إلَّا أَنَّ نَمَاءَ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهَيْنِ نَمَاءٌ حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ الْخَارِجُ وَنَمَاءٌ حُكْمِيٌّ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالزِّرَاعَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَارَةً تَجِبُ بِنَمَاءٍ حَقِيقِيٍّ، وَهُوَ نَمَاءُ الْإِسَامَةِ مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَتَارَةً تَجِبُ بِالنَّمَاءِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ مُعَدًّا لِلتِّجَارَةِ فَالْعُشْرُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ فَلَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْخَارِجِ، وَالْخَرَاجُ مُقَدَّرٌ بِالدِّرْهَمِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالنَّمَاءِ الْحُكْمِيِّ.

وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ أَيْ وُجُوبُ الْعُشْرِ مَعْنَى مُؤْنَةِ الْأَرَاضِي؛ لِأَنَّهَا أَيْ الْأَرَاضِيَ أَصْلٌ فِي وُجُوبِهِ يَعْنِي إذَا وَجَبَ الْعُشْرُ يَجِبُ مُؤْنَةً لِلْأَرْضِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِبَقَاءِ الْعَالَمِ إلَى الْحِينِ الْمَوْعُودِ، وَسَبَبُ بَقَائِهِ هُوَ الْأَرْضُ فَإِنَّ الْقُوتَ مِنْهَا يَخْرُجُ فَوَجَبَ الْعُشْرُ، وَالْخَرَاجُ عِمَارَةٌ لَهَا وَنَفَقَةٌ عَلَيْهَا كَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُلَّاكِ مُؤْنَةُ عَبِيدِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَعِمَارَةُ دُورِهِمْ وَعِمَارَةُ الْأَرَاضِي وَبَقَاؤُهَا بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَذُبُّونَ عَنْ الدَّارِ وَيَصُونُونَهَا عَنْ الْأَعْدَاءِ فَوَجَبَ الْخَرَاجُ لِلْمُقَاتِلَةِ كِفَايَةً لَهُمْ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ إقَامَةِ النُّصْرَةِ.

وَالْعُشْرُ لِلْمُحْتَاجَيْنِ كِفَايَةٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الذَّابُّونَ عَنْ حَرِيمِ الْإِسْلَامِ مَعْنًى كَمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ بَدْرٍ: إنَّكُمْ تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» . فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ صَرْفًا إلَى الْأَرْضِ وَإِنْفَاقًا عَلَيْهَا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فِيهِ. وَفِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءًا مِنْ النَّمَاءِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ كَالزَّكَاةِ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ النَّامِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاشْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهِ أَصْلًا وَالنَّمَاءُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَصْفًا لَهَا كَانَ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فِيهِ أَصْلًا، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ تَبَعًا، وَقَوْلُهُ: وَصَارَ السَّبَبُ بِتَجَدُّدِ وَصْفِهِ مُتَجَدِّدًا جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْخَصْمِ يَعْنِي تَكَرُّرَ الْوَاجِبِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْخَارِجِ بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ الْأَرْضِ بِهِ تَقْدِيرًا لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخَارِجَ سَبَبٌ كَمَا قُلْنَا فِي النِّصَابِ الْوَاحِدِ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ وَالرَّأْسِ الْوَاحِدِ بِتَجَدُّدِ الْفِطْرِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ التَّقْدِيرِيَّ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ. وَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ أَيْ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ قَبْلَ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ لَمَّا جُعِلَ بِمَعْنَى السَّبَبِ لِوَصْفِ الْعِبَادَةِ فِي الْعُشْرِ كَانَ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْخَارِجِ مُفَوِّتًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ عَنْهُ، وَمُبْطِلًا لَهُ لِاسْتِحَالَةِ حُصُولِ الْمُسَبَّبِ قَبْلَ السَّبَبِ، وَإِذَا بَطَلَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ عَنْهُ بَقِيَ مُؤْنَةً خَالِصَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْأَرْضِ وَحْدَهَا، وَهَذَا تَغْيِيرٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ فَصَارَ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ قَبْلَ الْخَارِجِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ قَبْلَ الْإِسَامَةِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّ تَعْجِيلَهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةٌ مَحْضَةٌ، وَلَا يُؤَدِّي التَّعْجِيلُ فِيهِ إلَى تَغْيِيرٍ كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ النَّامِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّغْيِيرِ.

[سَبَبُ الْخَرَاجِ]

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ سَبَبُ الْخَرَاجِ) أَيْ، وَكَمَا أَنَّ سَبَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>