وَهِيَ عَامَّةٌ مِثْلُ كُلٍّ إلَّا أَنَّهَا تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ دُونَ الِانْفِرَادِ فَصَارَتْ بِهَذَا الْمَعْنَى مُخَالِفَةً لِلْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ صَارَتْ مُؤَكِّدَةً لِكَلِمَةِ كُلٍّ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ لَهُمْ نَفْلًا وَاحِدًا بَيْنَهُمْ جَمِيعًا بِالشِّرْكَةِ وَيَصِيرُ النَّفَلُ وَاجِبًا لِأَوَّلِ جَمَاعَةٍ يَدْخُلُ فَإِنْ دَخَلُوا فُرَادَى كَانَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَعَارَ بِمَعْنَى الْكُلِّ.
وَقِسْمٌ آخَرُ
ــ
[كشف الأسرار]
مُتَوَاتِرَيْنِ كَانَ لِلْأَوَّلِ النَّفَلُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ كُلَّ الدَّاخِلِ أَوَّلًا هُوَ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَ بَعْدَهُ لَيْسَ بِأَوَّلٍ حِينَ سَبَقَهُ غَيْرُهُ بِالدُّخُولِ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَسْبِقْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرَهُ بِالدُّخُولِ وَعَلَى اعْتِبَارِ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ مُوجِبُ كَلِمَةِ كُلٍّ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوَّلَ دَاخِلٍ. وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ أَوَّلًا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا دَخَلَ الْخَمْسَةُ مَعًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ تُوجِبُ عُمُومَ الْجِنْسِ وَلَا تُوجِبُ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْ الدَّاخِلِينَ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَعَلَى اعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُمُومِ لَيْسَ فِيهِمْ أَوَّلُ فَأَمَّا كَلِمَةُ كُلٍّ فَتُوجِبُ تَنَاوُلَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ كَلِمَةُ كُلٍّ قَدْ تُوجِبُ الْعُمُومَ أَيْضًا وَلَكِنْ لَوْ حَمَلْنَاهَا عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ لَمْ تَبْقَ لَهَا فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهَا زِيَادَةُ فَائِدَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مَا قُلْنَا وَهُوَ أَنَّهَا تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ فِي كُلِّ دَاخِلٍ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ.
وَالْحِيَالُ الْحِذَاءُ يُقَالُ قَعَدَ حِيَالَهُ وَبِحِيَالِهِ أَيْ بِإِزَائِهِ وَأَصْلُهُ الْوَاوُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَجَبَ لِكُلِّ رَجُلٍ النَّفَلُ كَامِلًا عَلَى حِيَالِهِ وَجَبَ النَّفَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُقَابَلَتِهِ وَقَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى حِيَالِهِ أَيْ بِانْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَعَدَ بِإِزَاءِ آخَرَ مُتَفَرِّدٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ تَابِعٍ لَهُ فَاسْتُعِيرَ لِلِانْفِرَادِ.
[كَلِمَةُ الْجَمِيعِ]
قَوْلُهُ (وَهِيَ عَامَّةٌ مِثْلُ) كَلِمَةِ كُلٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ كَهِيَ إلَّا أَنَّهَا تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ وَتِلْكَ تُوجِبُهَا عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ. فَصَارَتْ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهَا تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ مُخَالِفَةً لِلْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَعْنِي كَلِمَةَ مَنْ وَكَلِمَةَ كُلٍّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ كَمَا بَيَّنَّا وَكَلِمَةُ مَنْ تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ وَالْعُمُومَ وَلَا تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ قَصْدًا وَكَلِمَةُ الْجَمِيعِ تُخَالِفُهُمَا؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ قَصْدًا. وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِهَا مُوجِبَةً لِلْإِحَاطَةِ مِثْلُ كَلِمَةِ كُلٍّ صَارَتْ مُؤَكِّدَةً لِكَلِمَةِ كُلٍّ فَيُقَالُ جَاءَنِي الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ أَنَّهَا تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ مَا إذَا قَالَ الْإِمَامُ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ رَأْسٌ فَدَخَلَهُ عَشَرَةٌ مَعًا فَالنَّفَلُ الْوَاحِدُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا لَحِقَ بِكَلِمَةِ مَنْ هَهُنَا يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِمَاعِ دُونَ الْإِفْرَادِ فَيَصِيرُ بِاعْتِبَارِهِ جَمِيعُ الدَّاخِلِينَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي أَنَّهُمْ أَوَّلُ فَلَهُمْ رَأْسٌ وَاحِدٌ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي الْإِحَاطَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ فَيُجْعَلُ بِاعْتِبَارِهَا كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّاخِلِينَ تَنَاوَلَهُ الْإِيجَابُ خَاصَّةً كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ.
قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُسْتَعَارَ بِمَعْنَى الْكُلِّ) مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْإِحَاطَةَ وَالْعُمُومَ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ النَّفَلَ كَالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّنْفِيلَ لِلتَّشْجِيعِ وَإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَلَمَّا اسْتَحَقَّهُ الْجَمَاعَةُ بِالدُّخُولِ أَوَّلًا فَالْوَاحِدُ الدَّاخِلُ أَوَّلًا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجُرْأَةَ وَالْجَلَادَةَ فِيهِ أَقْوَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَسْتُ أَطْمَعُ فِي أَنْ تَدْخُلَ أَوَّلًا لَكِنْ إنْ دَخَلْت ثَانِيًا فَلَكَ كَذَا فَدَخَلَ أَوَّلًا يَسْتَحِقُّ النَّفَلَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ صَنَعَ مَا طَلَبَ الْإِمَامُ مِنْهُ زِيَادَةً فِي إظْهَارِ الْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ فَإِنَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَسْت أَطْمَعُ فِي أَنْ تَدْخُلَ أَوَّلًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرَادَهُ أَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الدُّخُولَ ثَانِيًا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ التَّحْرِيضُ عَلَى إظْهَارِ الْجِدِّ فِي الْقِتَالِ وَقَدْ أَتَى بِهِ عَلَى أَقْوَى الْوُجُوهِ فَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute