ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي الْأَخِ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَعْضِيَّةٌ وَلَا يَلْحَقُ الْمَبْتُوتَةَ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ الْإِسْلَامُ الْمَرْوِيُّ فِي الْمَرْوِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ لَمْ يَجْمَعْهُمَا طَعْمٌ وَلَا ثَمَنِيَّةَ، وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ جَرْحٌ عَلَى مِثَالِ الْعِلَلِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَدَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اسْتِقْصَاءَ الْعَدَمِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُودَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
ــ
[كشف الأسرار]
ذِكْرُ فَوْتِ الْوَصْفِ مِنْ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِتَمَامِ الْعِلَّةِ تَخْصِيصًا لِلْعِلَّةِ يَعْنِي إذَا فَاتَ وَصْفٌ مِنْ الْعِلَّةِ وَامْتَنَعَ الْحُكْمُ عَنْهَا بِفَوَاتِهِ يُسَمِّيهِ مَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ مَانِعًا مُخَصَّصًا، وَيَقُولُ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحُكْمِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ حُكْمٌ لِهَذَا الْمَانِعِ، وَهُوَ فَوَاتُ الْوَصْفِ فَخُصَّتْ بِهِ فَقَالَ الشَّيْخُ لَا يَصْلُحُ ذِكْرُ فَوَاتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَخْصِيصًا أَيْ مُخَصَّصًا لِلْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ بِتَمَامِهَا أَصْلًا وَوَصْفًا، ثُمَّ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِالْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعِلَّةُ هَاهُنَا بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفِ الْفَائِتِ لِتَمَامِ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ فَوَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مَانِعًا مُخَصَّصًا بَلْ يَنْعَدِمُ الْعِلَّةُ بِفَوَاتِهِ فَيَنْعَدِمُ الْحُكْمُ لِانْعِدَامِهَا، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهَا وَأَنَّ وُجُودَ صُورَةِ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُنَاقَضَةِ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَدُلُّ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا الْعَدَمُ عِنْدَ الْعَدَمِ عَلَى الصِّحَّةِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْمُوَافَقَةُ بِحَالِ الْمُخَالَفَةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ عَلَى مَا تَبَيَّنَّ أَيْ فِي بَابِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ هَذَا أَيْ الِاحْتِجَاجَ بِالِاطِّرَادِ عَلَى نَهْجِ الْعِلَلِ بِسُكُونِ الْهَاءِ أَيْ طَرِيقِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ النَّصِّ يَدُورُ الْحُكْمُ مَعَهُ كَمَا يَدُورُ مَعَ الْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ، وَتَحْرِيكُ الْهَاءِ لَحْنٌ؛ لِأَنَّ النَّهَجَ بِالتَّحْرِيكِ الْبُهْرُ وَتَتَابُعُ النَّفَسِ وَلَا مَعْنًى لَهُ هَاهُنَا.
[التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ]
قَوْلُهُ (التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ) يَعْنِي بَعْدَ الِاحْتِجَاجِ بِالِاطِّرَادِ فِي الرُّتْبَةِ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ الْوَصْفِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ عَدَم وَصْفٍ لَا يُنَافِي وُجُودَ وَصْفٍ آخَرَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ يَرَى أَنْ يَثْبُتَ بِعِلَلٍ شَتَّى لَا يَرَى أَنَّ الْعَدَم لَيْسَ بِأَعْلَى حَالًا وَصْفٌ مِنْ الْوُجُودِ وَوُجُودُ وَصْفٍ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ آخَرَ فَكَيْفَ يَمْنَعُ الْعَدَمُ وَكَذَلِكَ الْوُجُودُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْبَقَاءِ وَلَا لِوُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَيْفَ يَصْلُحُ الْعَدَمُ عِلَّةً لِوُجُودِ الْأَحْكَامِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي النِّكَاحِ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَأَشْبَهَ الْحُدُودَ وَفِي الْأَخِ إذَا مَلَكَ أَخَاهُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَعْضِيَّةٌ فَأَشْبَهَ ابْنَ الْعَمِّ وَلَا يَلْحَقُ الْمَبْتُوتَةَ طَلَاقٌ يُقَالُ بَتَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ وَأَبَتَّهُ أَيْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ، وَالْمَبْتُوتَةُ الْمَرْأَةُ وَأَصْلُهَا الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا يَعْنِي لَا يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ كَمَا لَا يَلْحَقُهَا الْبَائِنُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَيَجُوزُ إسْلَامُ الْمَرْوِيِّ فِي الْمَرْوِيِّ أَيْ الثُّبُوتِ الْمَرْوِيِّ فِي جِنْسِهِ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى بَلَدٍ بِالْعِرَاقِ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا أَيْ الْبَدَلَيْنِ مَالَانِ لَمْ يَجْمَعْهُمَا طَعْمٌ وَلَا ثَمِينَةٌ يَعْنِي الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِحُرْمَةِ النَّسِيئَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا الطَّعْمُ أَوْ الثَّمَنِيَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ النَّسِيئَةِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ أَيْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ جَرْحٌ فِي الظَّاهِرِ عَلَى مِثَالِ الْعِلَلِ أَيْ الْعِلَلِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ إذْ عَدَمُ الْوَصْفِ يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ أَيْ التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ لَمَّا كَانَ عَدَمًا أَيْ اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وَصْفٍ عَلَى عَدَمِ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا إذْ الْعَدَمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ أَيْ لِإِثْبَاتِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَلَا يُقَالُ مَا ذَكَرْتُمْ مُسَلَّمٌ إذَا كَانَ الْحُكْمُ ثُبُوتِيًّا فَأَمَّا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute