إلَّا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَفِي حُكْمٍ ثَبَتَ دَلِيلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَاحِدًا لَا ثَانِيَ لَهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُغْصَبْ الْوَلَدُ وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِيمَا لَا خُمُسَ فِيهِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ بِغَيْرِهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَمْنَعُ قِيَامَ وَصْفٍ لَهُ أَثَرٌ فِي صِحَّةِ الْإِثْبَاتِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ بِهَا فَصَارَ فَوْقَ الْأَمْوَالِ فِي هَذَا بِدَرَجَةٍ وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا عَلَى مَا عُرِفَ.
ــ
[كشف الأسرار]
كَانَ عَدَمِيًّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْعَدَمِ.
وَهَذِهِ أَحْكَامٌ عَدَمِيَّةٌ عُلِّلَتْ بِالْعَدَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بَلْ الْعَدَمُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً أَصْلًا وَعَدَمُ الْحُكْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَّةٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ.
أَلَا تَرَى أَنَّ اسْتِقْصَاءَ الْعَدَمِ أَيْ عَدَمِ الْعِلَّةِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُودَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْحُكْمِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَإِنَّك لَوْ قُلْت: زَيْدٌ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَكَانِ كَذَا وَلَا فِي بَلَدِ كَذَا.
وَكَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا تَعْلَمُهُ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّكُمْ قَدْ عَلَّلْتُمْ بِالنَّفْيِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وَلَدِ الْغَصْبِ أَيْ الْمَغْصُوبِ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لِأَنَّهُ أَيْ الْغَاصِبَ لَمْ يَغْصِبْ الْوَلَدَ وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِيمَا لَا خُمُسَ فِيهِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ وَقَالَ إلَّا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمٍ سَبَبُهُ مُعَيَّنٌ كَمَا فِي وَلَدِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ وَاقِعٌ فِي أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ هَلْ يَجِبُ فِي زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ أَمْ لَا لَا فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ فَإِنَّ الضَّمَانَ كَمَا يَجِبُ بِالْغَصْبِ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي حُكْمِ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ يَعْنِي أَوْ أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمٍ ثَبَتَ دَلِيلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَاحِدًا لَا ثَانِيَ لَهُ مِثْلُ وُجُوبِ الْخُمُسِ فَإِنَّ سَبَبَهُ فِي الشَّرْعِ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْإِيجَافُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْعِلَّةِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ حُكْمَ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ حُكْمَ سَبَبٍ لَا ثَانِيَ لَهُ لَا يُوجَدُ بِغَيْرِ ذَلِكَ السَّبَبِ، فَانْتِفَاءُ ذَلِكَ السَّبَبِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ ضَرُورَةً.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمْثِلَةً مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا قَالَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْلَالِ دُونَ التَّعْلِيلِ وَالْمُقَايَسَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْعَدِمَ إذَا عُدِمَتْ الْعِلَّةُ كَمَا كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا أَتَيْنَا إضَافَةَ الْعَدَمِ إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَاجِبًا بِهِ وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً، وَإِنَّمَا يَبْقَى الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى فَتَكُونُ مِثْلَ الْأُولَى لَا عَيْنِهَا فِي الْوُجُوبِ وَالتَّعَلُّقِ بِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْعِلَّةِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ عِلَّةٍ بِعَيْنِهَا فَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَذَا يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ النِّكَاحُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ تَعْلِيلٌ بِعَدَمِ الْوَصْفِ لَا اسْتِدْلَالٌ؛ لِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لَمْ يَثْبُتْ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَمْوَالِ فِي الشَّرْعِ لِيَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْمَالِ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ وَإِذَا كَانَ تَعْلِيلًا لَا يَمْنَعُ كَوْنُهُ غَيْرَ مَالِ قِيَامَ وَصْفٍ لَهُ أَثَرٌ فِي صِحَّةِ إثْبَاتِهِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ.
وَهُوَ أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ أَنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ يَعْنِي إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهَا بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُقَارِنَةً لَهُ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ الِانْعِقَادِ نَحْوَ نِكَاحِ الْهَازِلِ وَنِكَاحِ الْمُكْرَهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَعَ أَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ شُبْهَةٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِمَا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَصَارَ فَوْقَ الْأَمْوَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدَرَجَةٍ يَعْنِي صَارَ النِّكَاحُ فَوْقَ الْأَمْوَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدَرَجَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَالْمَالُ لَا يَثْبُتُ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِكَذَا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَبِلَ نِكَاحَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَقِنٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute