للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُ رَجُلٌ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا، وَهُوَ الظُّهْرُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَاسْتَقَامَ طَلَبُ الرِّفْقِ مُعْسِرٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ سَنَةً أَوْ يُكَفِّرَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَالثَّانِي كَفَّارَةٌ فِي مَسْأَلَتِنَا هُمَا سَوَاءٌ فَصَارَ كَالْمُدَبَّرِ إذَا جَنَى لَزِمَ مَوْلَاهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَرْشِ وَمِنْ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِمَا قُلْنَا وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرْعَى ثَمَانِي حِجَجٍ أَوْ عَشْرًا فِيمَا ضَمِنَ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ كَانَتْ مَهْرًا لَازِمًا، وَالْفَضْلُ كَانَ بِرًّا مِنْهُ وَيَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْرِفَةُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي ضِدِّ مَا نُسِبَا إلَيْهِ، وَهَذَا تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي جِنْسِ الْأَحْكَامِ فَأَخَّرْنَاهُ.

{بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا}

ــ

[كشف الأسرار]

اتِّفَاقُ الِاسْمِ وَالشَّرْطِ. وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ لَا إلَى الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: ٦١] . فَصَارَ أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعَيُّنِ الْقَصْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَتَخَيُّرِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي الْجُمُعَةِ نَظِيرَ تَعَيُّنِ لُزُومِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ عَلَى الْمَوَالِي فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا جَنَى لَزِمَ الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَرْشِ، وَمِنْ قِيمَتِهِ الْمُدَبَّرُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لَهُ فِي ذَلِكَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ إذْ الْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ لَا غَيْرُ وَتَعَيَّنَ الرِّفْقُ فِي الْأَقَلِّ كَالْقَصْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ.

بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا جَنَى حَيْثُ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مَعَ الْفِدَاءِ مُخْتَلِفَانِ صُورَةً، وَمَعْنًى فَإِنَّ أَحَدَهُمَا مَالٌ وَالْآخَرَ رَقَبَةٌ فَاسْتَقَامَ التَّخْيِيرُ طَلَبًا لِلرِّفْقِ كَتَخْيِيرِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْجُمُعَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا تَخْيِيرُ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه فِي الرَّعْيِ بَيْنَ ثَمَانِي سِنِينَ وَعَشْرِ سِنِينَ عَلَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: ٢٨] .، وَأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّمَانِي كَانَتْ وَاجِبَةً بَلْ الْمَهْرُ هُوَ الرَّعْيُ ثَمَانِي سِنِينَ لَا غَيْرُ، وَالْفَضْلُ كَانَ بِرًّا مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: ٢٧] .

وَهَكَذَا نَقُولُ الْفَرْضُ فِي مَسْأَلَتِنَا رَكْعَتَانِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ نَفْلٌ مَشْرُوعٌ لِلْعَبْدِ يَتَبَرَّعُ مِنْ عِنْدِهِ إلَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِأَدَاءِ النَّفْلِ قَبْلَ إكْمَالِ الْأَرْكَانِ مُفْسِدٌ لِلْفَرْضِ وَبَعْدَ إكْمَالِهَا قَبْلَ انْتِهَاءِ التَّحْرِيمَةِ مَكْرُوهٌ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْآذَانِ، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ، وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرِّفْقَ تَعَيَّنَ فِي الْقَلِيلِ بَلْ فِي الْكَثِيرِ زِيَادَةُ الثَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَلِيلِ يُسْرُ الْأَدَاءِ فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا، وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ يَخْرُجُ جَمِيعُ مَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَيَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ حُكْمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي ضِدِّ مَا نُسِبَا إلَيْهِ يَعْنِي ضِدَّ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَإِنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ فِي قَوْلِك اضْرِبْ مَنْسُوبٌ إلَى الضَّرْبِ وَطَلَبَ الِامْتِنَاعِ فِي قَوْلِك لَا تَشْتُمْ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّتْمِ. وَلَمْ يَقُلْ فِي ضِدِّهِمَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيُوهِمُ أَنَّ لِلْأَمْرِ أَثَرًا فِي ضِدِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ انْتَهَى، وَكَذَا الْعَكْسُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى إذَنْ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُمَا فِي ضِدِّ أَنْفُسِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِقَوْلِك تَحَرَّكْ فِي لَا تَتَحَرَّك، وَلَا قَوْلِك لَا تَسْكُنْ فِي السَّكَنِ أَصْلًا بِالْإِجْمَاعِ. فَأَمَّا ضِدُّ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ الْحَرَكَةُ فَالسُّكُونُ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ السُّكُونُ هُوَ الْحَرَكَةُ فَهَلْ لِلْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَحَرَّكْ أَثَرٌ فِي الْمَنْعِ عَنْ السُّكُونِ حَتَّى كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا تَسْكُنْ، وَهَلْ لِلنَّهْيِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَا تَسْكُنْ أَثَرٌ فِي طَلَبِ الْحَرَكَةِ حَتَّى كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَحَرَّكْ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِهِ.

[بَابُ حُكْمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَضْدَادِهِمَا]

أَيْ أَضْدَادِ مَا نُسِبَا إلَيْهِ. وَذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ مِنْ أَصْحَابِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>