للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ لَهُ حُكْمٌ فِي ضِدِّهِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيث إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ كَالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ نَهْيٌ عَنْ الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ كَالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ فَإِنَّ لَهُ أَضْدَادًا مِنْ الْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاضْطِجَاعِ وَنَحْوِهَا يَكُونُ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنْ الْأَضْدَادِ كُلِّهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ عَيْنٍ. وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَمْرِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ فَقَالَ أَمْرُ الْإِيجَابِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ أَضْدَادِهِ لِكَوْنِهَا مَانِعَةً مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ، وَأَمْرُ النَّدْبِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَكَانَتْ أَضْدَادُ الْمَنْدُوبِ غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهَا لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ، وَلَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ.

وَمَنْ لَمْ يَفْصِلْ جَعَلَ أَمْرَ النَّدْبِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ نَهْيَ نَدْبٍ حَتَّى يَكُونَ الِامْتِنَاعُ عَنْ ضِدِّهِ مَنْدُوبًا كَمَا يَكُونُ فِعْلُهُ مَنْدُوبًا.، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ فَأَمْرٌ بِضِدِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ بِاتِّفَاقِهِمْ كَالنَّهْيِ عَنْ الْكُفْرِ يَكُونُ أَمْرًا بِالْإِيمَانِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْحَرَكَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالسُّكُونِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ فَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَكُونُ أَمْرًا بِالْأَضْدَادِ كُلِّهَا كَمَا فِي جَانِبِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَكُونُ أَمْرًا بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَضْدَادِ غَيْرِ عَيْنٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضِدًّا وَاحِدًا حَقِيقَةً، وَهُوَ تَرْكُهُ فَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ تَرْكُهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَهُوَ تَرْكُهُ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ التَّرْكَ قَدْ يَكُونُ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ بِطَرِيقِ التَّعْيِينِ كَالتَّحَرُّكِ يَكُونُ تَرْكُهُ بِالسُّكُونِ وَقَدْ يَكُونُ بِأَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ كَتَرْكِ الْقِيَامِ يَكُونُ بِالْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ وَالِاسْتِلْقَاءِ فَهَذَا بَيَانُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ.

فَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَيْنَ الْأَمْرِ لَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلْ يُوجِبُ حُكْمًا فِي ضِدِّ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ فِي ضِدِّهِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ يُوجِبُ حُرْمَةَ ضِدِّهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ ضِدِّهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْتَضِي حُرْمَةَ ضِدِّهِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ فِيهِ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَهَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الضِّدِّ وَبَيَّنَ الدَّلَائِلَ ثُمَّ قَالَ وَالْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْأَمْرُ وَحَكَمْنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ ضِدِّهِ عَقِيبَ الْأَمْرِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ عَقِيبَ الْأَمْرِ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الْأَمْرَ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يُظْهِرُ الْمَسْأَلَةَ بِهَذِهِ الظُّهُورِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو الْيُسْرِ أَيْضًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: الْأَمْرُ إذَا أَوْجَبَ تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْفَوْرِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ إلَى آخِرِهِ. وَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا.

وَقَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ إنَّمَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُضَيَّقَ الْوُجُوبِ بِلَا بَدَلٍ، وَلَا تَخْيِيرٍ كَالصَّوْمِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ كَالْكَفَّارَاتِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَاجِبَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ تَرْكِهَا لِجَوَازِ تَرْكِهَا إلَى غَيْرِهَا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي التَّبْصِرَةِ ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا مَعَ أَوَائِلِهِمْ يَعْنِي أَوَائِلَ الْمُعْتَزِلَةِ اتَّفَقُوا أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ بِهِ كَانَ تَرْكُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>