وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الْأَخِ إنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَى أَخِيهِ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ وَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ نَفْيٍ وَعَدَمٍ جُعِلَ وَصْفًا لَزِمَهُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا مُوجَبًا وَنَفْسُ الْوُجُودِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ شَرْطَ الصَّلَاحِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ فَسَادُ الْوَضْعِ وَهَذَا يَنْقُضُ الْقَاعِدَةَ أَصْلًا وَهُوَ فَوْقَ الْمُنَاقَضَةِ؛ لِأَنَّهَا خَجْلَةُ مَجْلِسٍ يَحْتَمِلُ الِاحْتِرَازَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي صِحَّةِ إضَافَةِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ فَإِنَّ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ أَوْصَافٌ يُوجَدُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا وَلَا تَكُونُ مَنَاطَ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا الْعَدَمُ لَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُوجِبُ نِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ فَمَتَى أَضَافَهُ الْمُعَلِّلُ إلَى وَصْفٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِ صِحَّةِ مُمَانَعَةِ السَّائِلِ نِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَيْهِ كَمَا صَحَّ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ مَنَعَ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ الْمُمَانَعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ فِي الْأَصْلِ مَعْنَى آخَرَ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ قُلْنَا لَهُ: هَذَا جَهْلٌ مِنْك فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِك.
عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى آخَرُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ بِهِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالنَّصِّ وَذَكَر الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ إبْرَازِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُنَاظِرًا يَكْفِيه أَنْ يَقُولَ هَذَا مُنْتَهَى قُدْرَتِي فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَصْفِ فَإِنْ شَارَكَتْنِي فِي الْجَهْلِ بِغَيْرِ مُلْزَمِك مَا لَزِمَنِي وَإِنْ طَلَعْت عَلَى غَيْرِهِ لَزِمَك التَّنْبِيهُ حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُنِي ذَلِكَ وَلَا أُظْهِرُهُ وَإِنْ كُنْت أَعْرِفُهُ فَهَذَا عِنَادٌ مُحَرَّمٌ وَصَاحِبُهُ إمَّا كَاذِبٌ أَوْ فَاسِقٌ بِكِتْمَانِ حُكْمٍ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إظْهَارِهِ وَمِثْلُ هَذَا الْجَدَلِ حَرَامٌ وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ.
قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ مَنْعٌ مَعَ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ يَتَحَقَّقُ فِي قَوْلِهِمْ فِي الْأَخِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى أَخِيهِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ كَابْنِ الْعَمّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْعِتْقِ فِي ابْنِ الْعَمِّ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا حُكْمًا بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ بَعْدَ الْقَرَابَةِ وَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الْأَخِ كَذَا قَوْلُهُمْ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا أَيْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِهِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ بَلْ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِثَالَيْنِ كُلُّ نَفْيٍ وَعَدَمِ تَرَادُفٍ أَوْ النَّفْيُ تَعَرُّضٌ لِجَانِبِ الْمُعَلِّلِ وَالْعَدَمُ تَعَرُّضٌ لِجَانِبِ الْوَصْفِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ الْمَبْتُوتَةُ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْكُوحَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا مُوجِبًا لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَنَفْسُ الْوُجُودِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ أَيْ نَفْسُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ حُجَّةً بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْنِي أَصْحَابَ الطَّرْدِ يُسَلِّمُونَ أَنَّ صَلَاحَ الْوَصْفِ شَرْطٌ لِيَكُونَ حُجَّةً مَعَ أَنَّ الْوُجُودَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ فَثَبَتَ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُودِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ وَمِثَالُهُ تَعْلِيقُ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِوَصْفِ الْجِمَاعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِتَعَدِّي الْحُكْمِ بِهِ إلَى جِمَاعِ الْمَيْتَةِ وَالْبَهِيمَةِ أَوْ لَتَمَنَّعَ عَنْ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْفِطْرِ الْكَامِلِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ.
[فَسَادُ الْوَضْعِ]
قَوْلُهُ (وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) يَعْنِي مِنْ أَقْسَامِ أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ فَسَادُ الْوَضْعِ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ بَيَانِ دَفْعِ الْعِلَلِ وَهَذَا يَنْقُضُ الْقَاعِدَةَ أَصْلًا أَيْ الْقَاعِدَةَ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْمُجِيبُ كَلَامَهُ وَهُوَ فَوْقَ الْمُنَاقَضَةِ فِي الدَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ خَجَلُ مَجْلِسٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بِالتَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النَّقْضِ بِالْجَوَابِ أَوْ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ يَنْدَفِعُ بِهِ النَّقْضُ فَأَمَّا فَسَادُ الْوَضْعِ فَيُفْسِدُ الْقَاعِدَةَ أَصْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute