للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالَ عِنْدِي الْأَثَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ كَمِثْلِ كَافِرٍ أَقَامَ بَيِّنَةَ كُفَّارٍ عَلَى مُسْلِمٍ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا قُلْنَا.

وَأَمَّا نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ فَلِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُودِ لَا يَكْفِي بِالْإِجْمَاعِ.

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ أَقْسَامِ الْمُمَانَعَةِ فَإِنْ قَالَ عِنْدِي الْأَثَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الطَّرْدُ عِنْدِي حُجَّةٌ بِدُونِ التَّأْثِيرِ فَلَا حَاجَةَ لِي إلَى بَيَانِ التَّأْثِيرِ نَقُولُ إنَّكَ تَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَلَى الْخَصْمِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ بِدُونِ التَّأْثِيرِ حُجَّةً عِنْدَ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَيْهِ كَمِثْلِ كَافِرٍ الْكَافُ زَائِدَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] أَيْ عَلَى مِثَالِ كَافِرٍ أَقَامَ بَيِّنَةَ كُفَّارٍ عَلَى مُسْلِمٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ إنَّهُ أَثْبَتَ حَقِّي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدِي لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ.

قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ تَقْوِيمِ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ وَكَلَامُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ كَلَامَهُ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يُعْقَلُ فَإِنَّهُ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَتَبَيَّنَ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَلَاحِ الْوَصْفِ هَاهُنَا صَلَاحُهُ لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْخَصْمِ وَذَلِكَ بِالتَّأْثِيرِ وَالْمُرَادُ مِنْ صَلَاحِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ صَلَاحُهُ لِلْعَمَلِ بِهِ وَذَلِكَ بِمُوَافَقَتِهِ الْعِلَلَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ السَّلَفِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ وَأَهْلُ الطَّرْدِ يُوَافِقُونَنَا فِي اشْتِرَاطِ الصَّلَاحِ بِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ الْأَوَّلِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمُمَانَعَةُ مُمَانَعَةً فِي التَّأْثِيرِ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ.

وَقِيلَ: مِثَالُ هَذِهِ الْمُمَانَعَةِ قَوْلُنَا فِي تَعْلِيلِهِمْ إثْبَاتُ وِلَايَةِ الْأَبِ بِوَصْفِ الْبَكَارَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْبَكَارَةِ صَالِحٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ إثْبَاتُ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سِوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِنْ فَسَّرَ الصَّلَاحَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَمِثَالُ الْمُمَانَعَةِ فِيهِ قَوْلُنَا فِي تَعْلِيلِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالطُّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ لِإِثْبَاتِ شَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَالتَّقَابُضِ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصْفَيْنِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يُنْبِئُ عَنْ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ فَيَخْتَصُّ جَوَازُ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِزِيَادَةِ شَرْطٍ إظْهَارًا لِلْخَطَرِ كَالنِّكَاحِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ صَالِحٌ لِمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ فِيمَا تَشُدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ دُونَ التَّضْيِيقِ بِزِيَادَةِ الشَّرْطِ.

وَمِثَالٌ آخَرُ قَوْلُنَا فِي تَعْلِيلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُسَنُّ فِيهَا التَّثْلِيثُ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْمَسْحِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ صَالِحٌ لِتَعْلِيقِ حُكْمِ التَّثْلِيثِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ التَّغْلِيظِ بِهِ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا وَإِنْ كَانَ رَدًّا لِلْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ إيرَادُ الْمِثَالِ وَبَيَانُهُ لَا تَصْحِيحُ الْقِيَاسِ وَلَوْ قِيلَ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُشْرَعُ فِيهِ التَّكْرَارُ كَالِاسْتِنْجَاءِ يَكُونُ رَدًّا لِلْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ فَيَصِحُّ، ثُمَّ مُمَانَعَةُ صَلَاحِ الْوَصْفِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ يَئُولُ إلَى فَسَادِ الْوَضْعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلِهَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ فَسَادِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ رُبَّمَا يَكُونُ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلسَّائِلِ صَلَاحُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُعَلِّلَ بِبَيَانِ الصَّلَاحِ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ كَانَ لِلسَّائِلِ مُطَالَبَةُ بَيَانِ التَّأْثِيرِ فَإِذَا بَيَّنَ صَلَاحَهُ قَبِلَهُ السَّائِلُ وَيُجَاوِزُ إلَى سُؤَالٍ آخَرَ وَلَمَّا صَحَّتْ هَذِهِ الْمُمَانَعَةُ بِدُونِ فَسَادِ الْوَضْعِ كَانَتْ قِسْمًا آخَرَ غَيْرَ فَسَادِ الْوَضْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا نِسْبَةُ الْحُكْمِ) أَيْ صِحَّةُ مُمَانَعَةِ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ فَلِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُودِ لَا يَكْفِي بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَ الطَّرْدِ يُضِيفُونَ الْحُكْمَ إلَى الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يُوجِبُ إضَافَتَهُ إلَيْهِ سِوَى أَنَّهُ يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَيَنْعَدِمُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَنَفْسُ الْوُجُودِ عِنْدَ الْوُجُودِ غَيْرُ كَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>