فَيُقَالُ لَهُمْ مَا حُكْمُ الْعِلَّةِ فَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ قِيلَ لَهُ: مَاذَا لَا يُجْزِئُ وَإِنَّمَا سَبَقَ ذِكْرُ الْعَتِيقِ وَالْأَبِ وَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عِنْدَنَا فَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ عِتْقُهُ قُلْنَا بِهِ وَإِنْ قَالَ: إعْتَاقُهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ فِي الْفَرْعِ وَيَظْهَرُ بِهِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ.
وَأَمَّا صَلَاحُ الْوَصْفِ فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْأَثَرُ فَكُلُّ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ مَنَعْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا
ــ
[كشف الأسرار]
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَتَقَ الْأَبُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْفِيرِ وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْمَحَارِمِ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَبِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ قَالُوا: الْعَتِيقُ أَبٌ فَصَارَ كَالْمِيرَاثِ أَيْ الْعَتِيقُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْأُبُوَّةِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ كَمِيرَاثِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى فَيُقَال لَهُمْ: مَا حُكْمُ الْعِلَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ الْعَتِيقُ أَبٌ فَإِنْ قَالَ أَيْ الْمُعَلِّلُ وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ شِرَاؤُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ بِالْأُبُوَّةِ لَا لِأَجْلِ الْكَفَّارَةِ كَالْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ قِيلَ لَهُ: مَاذَا لَا يُجْزِئُ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَسْبِقْ إلَّا ذِكْرُ الْعَتِيقِ وَالْأَبِ فَإِنْ عَنَيْت أَنَّ الْعَتِيقَ لَا يُجْزِئُ أَوْ الْأَبَ لَا يُجْزِئُ أَوْ كِلَيْهِمَا لَا يُجْزِئُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ قُلْنَا بِهِ أَيْ بِأَنَّ عِتْقَهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ بِالْعِتْقِ إذْ هِيَ إنَّمَا تَتَأَدَّى بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْمُكَفِّرِ وَالْعِتْقُ وَصْفٌ ثَابِتُ الْمَحَلِّ شَرْعًا بَلْ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ قَالَ وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ إعْتَاقُهُ لَهُ أَيْ إعْتَاقُ الْمُكَفِّرِ لِلْأَبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ نَجِدْهُ أَيْ الْإِعْتَاقَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْوَارِثِ فِي الْإِرْثِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُعْتَقًا فَكَانَ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِيِّ.
وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَيْ لَمْ يَقُلْ الْمُعَلِّلُ بِالْإِعْتَاقِ فِي الْفَرْعِ فَكَانَ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا فَيَظْهَرُ بِهِ أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّؤَالِ وَالْمُمَانَعَةِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الشِّرَاءَ عِنْدَ الْخَصْمِ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ لِإِزَالَتِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ مُثْبِتٌ لِلْحُكْمِ مُزِيلًا لَهُ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ فِي الْعِتْقِ هُوَ الْقَرَابَةُ الْمُوجِبَةُ لِلصِّلَةِ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ إذْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ بِحَالٍ، ثُمَّ الْعِتْقُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ إلَّا عِنْدَ الْمِلْكِ سُمِّيَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ شَرْطٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ يُسَمَّى قَاتِلًا؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الشَّرْطَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا وَكَانَ الْعِتْقُ مُسْتَحَقَّ الثُّبُوتِ بِالْقَرَابَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْإِعْتَاقِ.
كَمَا لَوْ قَالَ الْغَيْرُ: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ وَعِنْدَنَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ بِطَرِيقِ أَنَّهُ مُتَمِّمٌ عِلَّةَ الْعِتْقِ إذْ الْعِتْقُ عِنْدَنَا مُضَافٌ إلَى الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَلِلْقَرَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لِمِلْكٍ مُؤَثَّرٍ فِي إيجَابِ الصِّلَةِ حَتَّى وَجَبَ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِكِهِ النَّفَقَةَ صِلَةٌ لِلْمِلْكِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى أَحَدِهِمَا وُجُودًا لِمَا عُرِفَ وَهُوَ الْمِلْكُ هَاهُنَا وَالشِّرَاءُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْمِلْكِ فَكَانَ الْعِتْقُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ بِوَاسِطَتِهِ فَيَنْقَلِبُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ نِيَّةُ التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ فَيَصِحُّ بِخِلَافِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ شَرْطٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ مُعْتَقًا بِيَمِينِهِ وَلَمْ تَقْتَرِنْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِهَا حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ جَازَ أَيْضًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
قَوْلُهُ (أَمَّا صَلَاحُ الْوَصْفِ فَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوَصْفَ بِمُجَرَّدِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً بِوَاسِطَةِ التَّأْثِيرِ فَكُلُّ وَصْفٍ لَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُهُ مَنَعْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا وَحُجَّةً وَهَذَا كَالْجُرْحِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِوَصْفِ السِّرَايَةِ فَقَبْلَ ثُبُوتِ هَذَا الْوَصْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْجُرْحِ دُونَ السِّرَايَةِ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْجِرَاحَةَ سَرَتْ - كَذَا هُنَا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute