بَابُ بَيَانِ الشَّرْطِ) :
وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ فَأَمَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّهُ شَرْطٌ وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ بَيَانُ الْمُدَّةِ لِعَمَلِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا أَوْ لِعَمَلِ الْقَلْبِ بِانْفِرَادِهِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ هُوَ الْمُحَكَّمُ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَالْآخَرُ مِنْ الزَّوَائِدِ وَعِنْدَهُمْ هُوَ بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ
ــ
[كشف الأسرار]
قَدْ تَمَّ وَوَقَعَ الْفَرَاغُ عَنْهُ وَمَا رَأَى فِي الْمَنَامِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَأَى مُبَاشَرَةَ فِعْلِ الذَّبْحِ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ أَذْبَحُك؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَالِ.
، فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مُصَدِّقًا لِلرُّؤْيَا فَلِأَنَّهُ بَاشَرَ فِيمَا وَسِعَهُ مِنْ أَسْبَابِ الذَّبْحِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ عَلَى مَحِلِّ الذَّبْحِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ مِرَارًا وَهَذَا هُوَ مُبَاشَرَةُ فِعْلِ الذَّبْحِ مِنْ الْعَبْدِ فَصَارَ بِهِ ذَابِحًا مُحَقِّقًا لِمَا أُمِرَ بِهِ فَلِذَلِكَ صَحَّ قَوْله تَعَالَى {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] ، فَأَمَّا حُصُولُ حَقِيقَةِ الذَّبْحِ فَلَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ إذْ الْمُتَوَلِّدَاتُ تَحْدُثُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّا نُسَلِّمُ نَسْخَ مَحَلِّيَّةِ الذَّبْحِ فِي الْوَلَدِ بِصَيْرُورَةِ الشَّاةِ فِدَاءً عَنْهُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ انْتِسَاخَ الْأَمْرِ وَالْإِضَافَةِ بَلْ نَقُولُ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الشَّاةِ فِدَاءً بَقِيَ الْأَمْرُ مُضَافًا إلَى وَلَدٍ حَرَامٍ ذَبْحُهُ وَحُكْمُ ذَلِكَ الْأَمْرِ وُجُوبُ ذَبْحِ الشَّاةِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ مَحِلًّا لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَيْهِ وَقَدْ انْتَسَخَتْ مَحَلِّيَّةُ الْفِعْلِ لَا مَحَلِّيَّةُ الْإِضَافَةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ بَيَانِ شُرُوطِ النَّسْخ]
بَابُ بَيَانِ الشَّرْطِ:
اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّسْخِ شُرُوطًا بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَكَوْنُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ فَإِنَّ الْعَجْزَ وَالْمَوْتَ كُلُّ وَاحِدٍ يُزِيلُ التَّعَبُّدَ الشَّرْعِيَّ وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا وَكَذَا إزَالَةُ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يُسَمَّى نَسْخًا وَكَوْنُ النَّاسِخِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالْغَايَةَ لَا يُسَمَّيَانِ نَسْخًا وَقَدْ تَضَمَّنَ التَّعْرِيفَاتُ الْمَذْكُورَةُ لِلنَّسْخِ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَاشْتِرَاطُ كَوْنِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَاشْتِرَاطُ الْبَدَلِ لِلْمَنْسُوخِ.
وَاشْتِرَاطُ كَوْنِهِ أَخَفَّ مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ النَّسْخِ عِنْدَ قَوْمٍ عَلَى مَا سَيَأْتِيك بَيَانُهَا بَعْدُ وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْبَابُ فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَعَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَعْنَى التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَمَا وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى الْمُكَلَّفِ زَمَانٌ يَسَعُ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَحَاصِلُ الْأَمْرِ) أَيْ حَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ عِنْدَنَا بَيَانٌ لِمُدَّةِ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ تَارَةً وَلِعَمَلِ الْقَلْبِ بِانْفِرَادِهِ وَهُوَ الْعَقْدُ أُخْرَى وَعَمَلُ الْقَلْبِ هُوَ الْمُحَكَّمُ فِي هَذَا أَيْ اشْتِرَاطُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَكَوْنُ النَّسْخِ بَيَانًا لِمُدَّتِهِ هُوَ الْأَمْرُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَالتَّغَيُّرَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ وَالْآخَرُ أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ مِنْ الزَّوَائِدِ أَيْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بَيَانًا لِلْمُدَّةِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ دَائِمٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَالثَّانِيَ رُكْنٌ زَائِدٌ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ وَيَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَعِنْدَهُمْ هُوَ أَيْ النَّسْخُ بَيَانُ مُدَّةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ أَيْ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْفِعْلِ أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّرْكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ تَفْرِيطٌ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى بَيَانِ مُدَّةِ حُكْمِ الْعَمَلِ بِالنَّسْخِ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَرِدَ النَّاسِخُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْوَاجِبِ كَمَا إذَا قِيلَ فِي رَمَضَانَ حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ ثُمَّ قِيلَ فِي آخِرِهِ لَا تَحُجُّوا أَوْ قِيلَ صُومُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute