للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ نَهْيٍ وَبِكُلِّ أَمْرٍ نَصًّا يُقَالُ: افْعَلُوا كَذَا أَوْ لَا تَفْعَلُوا فَيَقْتَضِي حُسْنَهُ بِالْأَمْرِ لَا مَحَالَةَ وَقُبْحَهُ بِالنَّهْيِ وَإِذَا وَقَعَ النَّسْخُ قَبْلَ الْفِعْلِ صَارَ بِمَعْنَى الْبَدَاءِ وَالْغَلَطِ وَالْحُجَّةُ لَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ» ثُمَّ نُسِخَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ

ــ

[كشف الأسرار]

ثُمَّ قِيلَ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَا تَصُومُوا وَالثَّانِي أَنْ يَرِدَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ زَمَانٍ يَسَعُ الْوَاجِبَ كَمَا إذَا قِيلَ لِإِنْسَانٍ اذْبَحْ وَلَدَك فَبَادَرَ إلَى أَسْبَابِهِ فَقَبْلَ إحْضَارِ الْكُلِّ قِيلَ لَهُ لَا تَذْبَحْهُ أَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي قَوْلِهِ صُمْ غَدًا فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ لَا تَصُمْ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ وَعَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ.

قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ وَدَلَائِلُ الْخُصُومِ ظَاهِرَةٌ لَوْ بُنِيَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَمْرِ وُجُوبُ الْفِعْلِ إذْ وُجُوبُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ لَا يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَكَذَا لَوْ بُنِيَتْ عَلَى وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِيجَابُ اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاجِبًا مُحَالٌ مِنْ الشَّرْعِ وَكَذَا إيجَابُ اعْتِقَادِ فِعْلٍ غَيْرِ وَاجِبٍ مُحَالٌ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الْفِعْلِ وَلَا وُجُوبُ الِاعْتِقَادِ حَقِيقَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيٌّ عِنْدَنَا وَتَعَلُّقُهُ بِالْمَأْمُورِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَائِدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِمَا لَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِفَائِدَةِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوُجُوبَ أَيْضًا لَكِنَّ فِيهِ نَوْعَ فَائِدَةٍ يَصِحُّ الْأَمْرُ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحُدُوثِ النَّسْخِ وَيَبْنِي الْأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ يَعْتَقِدُهُ ظَاهِرًا وَيَعْزِمُ عَلَى الْأَدَاءِ وَيُهَيِّئُ أَسْبَابَهُ وَيُظْهِرُ الطَّاعَةَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِابْتِلَاءُ إنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَهَذَا فِي الْأَمْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الذَّبْحِ وَانْقَادَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّابِتِ ظَاهِرًا تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ يَظْهَرُ مِنْهُ الطَّاعَةُ فَكَانَ النَّسْخُ مُفِيدًا فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ وَصِحَّةُ الْأَمْرِ لِفَائِدَةِ الْمَأْمُورِ لَا غَيْرُ أَوْ لَمَّا حَسُنَ مِنْهُ الْعَزْمُ وَالِاعْتِقَادُ وَاشْتَغَلَ بِأَسْبَابِهِ اُجْتُزِئَ بِذَلِكَ مِنْهُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ وَجُعِلَ قَائِمًا مَقَامَ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الثَّوَابِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ النَّسْخَ وَرَدَ بَعْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ تَقْدِيرًا هَذَا طَرِيقُ تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُهُ (قَالُوا) أَيْ الْخُصُومُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ نَصًّا أَيْ الْعَمَلُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ أَمْرٍ وَالْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ نَهْيٍ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِصَرِيحِهِمَا تَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ وَالْمَنْعِ عَنْهُ لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى الْمَصْدَرِ لَا عَلَى الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فَيَقْتَضِي كَوْنَ الْفِعْلِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْهُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي حُسْنَ الْفِعْلِ بِالْأَمْرِ وَقُبْحَهُ بِالنَّهْيِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْفِعْلُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْفِعْلِ حَسَنًا إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ وَذَاتُهُ قَبِيحًا إذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالنَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُمِرَ بِشَيْءٍ فِي وَقْتٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُسْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دَلَّ عَلَى قُبْحِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكَوْنِ الْحُسْنِ وَالنَّسْخِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ فَكَانَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ النَّسْخِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَيْهِ فَاسِدًا.

وَكَانَ هَذَا النَّسْخُ مِنْ بَابِ الْبَدَاءِ وَالْغَلَطِ الَّذِي هُوَ عَلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ مُحَالٌ نُبَيِّنُهُ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا أَمَرَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمٍ بِأَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ غُرُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>