للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ ذَلِكَ أَمَارَةَ لُزُومِهِ وَتَحَقُّقِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا لَكِنَّ التَّحْرِيمَ نَوْعَانِ تَحْرِيمٌ يُلَاقِي نَفْسَ الْفِعْلِ مَعَ كَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَخْرُجَ الْمَحَلُّ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَيَنْعَدِمُ الْفِعْلُ مِنْ قِبَلِ عَدَمِ مَحَلِّهِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَيَصِيرُ الْفِعْلُ تَابِعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُقَامُ الْمَحَلُّ مَقَامَ الْفِعْلِ فَيُنْسَبُ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يُجْعَلْ صَالِحًا لَهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِي جَانِبِ الْمَحَلِّ لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ فَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا لِيَصِيرَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْقِسْمِ حُرُوفُ الْمَعَانِي فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَشَطْرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْفُرُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ حُرُوفِ) (الْمَعَانِي)

وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِالْكُلِّيَّةِ وَانْقِطَاعِ تَصَوُّرِهِ أَصْلًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَا تَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْرَبَهُ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا صَبَّهُ الْمَوْلَى بَعْدَ النَّهْيِ أَوْ شَرِبَهُ كَانَ الِانْتِفَاءُ فِيهِ أَقْوَى لِانْقِطَاعِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَإِذَا أَمْكَنَ تَحْقِيقُ إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ وَاتِّصَافِهَا بِالْحُرْمَةِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا كَانَ جَعْلُ ذَلِكَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ صِفَةَ الْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ كَمَا زَعَمُوا خَطَأً فَاحِشًا وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ حُرْمَةَ الْأَعْيَانِ احْتِرَازًا عَنْ مُنَاقَضَةِ مَذْهَبِهِمْ الْفَاسِدِ فِي نَفْيِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِمْ إنَّ مِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْقُبْحِ وَالْحُرْمَةِ مِثْلُ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَلَا يَجُوزُ نِسْبَةُ خَلْقِ الْقَبِيحِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُهُمْ خَلْقُ الْأَعْيَانِ الْقَبِيحَةِ الْمُسْتَقْذَرَةِ مِنْ الْأَنْجَاسِ وَالْجِعْلَانِ وَالْخَنَافِسِ وَالْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَنَحْوِهَا فَأَنْكَرُوا قُبْحَ الْأَعْيَانِ.

وَقَالُوا إنَّهَا لَيْسَتْ بِقَبِيحَةٍ وَأَنْكَرُوا الْمَحْسُوسَ وَالثَّابِتَ بِبِدَايَةِ الْعُقُولِ وَأَنْكَرُوا اتِّصَافَهَا بِالْحُرْمَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُمْ اتِّصَافُهَا بِالْقُبْحِ فَإِنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِالْقُبْحِ وَعِنْدَنَا الْأَعْيَانُ نَوْعَانِ قَبِيحَةٌ وَحَسَنَةٌ كَالْأَفْعَالِ نَوْعَانِ قَبِيحَةٌ وَحَسَنَةٌ وَنَوْعٌ مُتَوَسِّطٌ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ وَلَا يَمِيلُ إلَيْهِ فَيُوصَفُ بِالْحِلِّ وَالْإِبَاحَةِ قَوْلُهُ (كَانَ ذَلِكَ أَمَارَةَ لُزُومِهِ وَتَحَقُّقِهِ) يَعْنِي إذَا أُضِيفَ التَّحْرِيمُ إلَى الْعَيْنِ كَانَ حُرْمَةُ الْفِعْلِ آكَدَ وَأَلْزَمَ وَاللُّزُومُ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ حَتَّى جَعَلْنَا الْفَارِقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقَةُ لَازِمَةً لَا تُنْفَى وَالْمَجَازُ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَيُنْفَى فَمَا يُؤَكِّدُ اللُّزُومَ كَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا لَكِنَّ التَّحْرِيمَ اسْتِدْرَاكٌ عَنْ قَوْلِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا أَيْ لَا يَكُونُ مَجَازًا لَكِنْ يَصِيرُ الْفِعْلُ تَابِعًا فِي التَّحْرِيمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَى الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَقْصُودًا بِالتَّحْرِيمِ فَيُقَامُ الْمَحَلُّ مَقَامَ الْفِعْلِ يَعْنِي لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ مَقْصُودًا إذْ لَمْ يُذْكَرْ الْفِعْلُ صَرِيحًا أُقِيمَ الْعَيْنُ مَقَامَ الْفِعْلِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا اتَّصَفَتْ بِالْحُرْمَةِ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْفِعْلِ ضَرُورَةً كَمَا بَيَّنَّا أَوْ أُقِيمَتْ مَقَامَهُ فِي الِاتِّصَافِ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَبْقَ مُتَصَوَّرًا شَرْعًا.

وَهَذَا أَيْ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ بِإِخْرَاجِ الْمَحَلِّ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ فِي نِهَايَةِ التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ تَابِعًا لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ تَبَعًا أَقْوَى مِنْ نَفْيِهِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا كَمَا قَرَّرَنَا (فَأَمَّا أَنْ يَجْعَلَهُ) أَيْ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْعَيْنِ مَجَازًا فِي الْعَيْنِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهِ مَشْرُوعًا لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ (فَغَلَطٌ فَاحِشٌ) لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ مَا هُوَ مَقْصُودٌ وَأَصْلٌ وَهُوَ الْعَيْنُ عَنْ الْأَصَالَةِ وَإِقَامَةَ مَا هُوَ تَبَعٌ وَهُوَ الْفِعْلُ مَقَامَهُ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ جِهَتِهِ لِلْفِعْلِ فِي الْحِلِّ قَوْلُهُ (وَشَطْرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ) شَطْرُ كُلِّ شَيْءٍ نِصْفُهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَعْضِ تَوَسُّعًا فِي الْكَلَامِ وَاسْتِكْثَارًا لِلْقَلِيلِ كَمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَائِضِ تَقْعُدُ شَطْرَ عُمْرِهَا» أَيْ بَعْضَهُ وَمِثْلُهُ فِي التَّوَسُّعِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ حُرُوفِ الْمَعَانِي]

[معانى الْوَاوُ]

(بَابُ حُرُوفِ الْمَعَانِي)

هَذَا بَابٌ دَقِيقُ الْمَسْلَكِ لَطِيفُ الْمَأْخَذِ، كَثِيرُ الْفَوَائِدِ، جَمُّ الْمَحَاسِنِ، جَمَعَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ بَيْنَ لَطَائِفِ النَّحْوِ، وَدَقَائِقِ الْفِقْهِ، وَاسْتَوْدَعَ فِيهِ غَرَائِبَ الْمَعَانِي، وَبَدَائِعَ الْمَبَانِي، فَاصْغِ لِمَا يُتْلَى عَلَيْك مِنْ بَيَانِ لَطَائِفِ حَقَائِقِهِ، وَاسْتَمِعْ لِمَا يُلْقَى إلَيْك مِنْ كَشْفِ غَوَامِضِ دَقَائِقِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>