للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ فَلَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا بِهِ بَلْ شَرْطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَبْرًا وَلَا جَبْرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ عَلَى مِلْكِهِ إذْ الْجَبْرُ يَعْتَمِدُ الْفَوَاتَ

ــ

[كشف الأسرار]

دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُمَا كَانَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ أَنَّ عِصْمَةَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ أَمْ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ فَعِنْدَنَا تَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ وَعِنْدَهُ تَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِمَا يَخْلُفُهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ عَقْدُ الذِّمَّةِ وَقَدْ عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا زَالَ الْعَاصِمُ وَهُوَ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ بَطَلَتْ الْعِصْمَةُ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى مَالِ غَيْرِ مَعْصُومٍ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَعِنْدَهُ لَمَّا بَقِيَ الْعَاصِمُ وَهُوَ إسْلَامُ الْمَالِكِ لَمْ تَزُلْ الْعِصْمَةُ فَلَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ) إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ نَقْضٍ آخَرَ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ أَيْضًا وَوَجْهُ وُرُودِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الِاسْتِيلَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ تَقَرُّرُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَنَا يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَسُلِّمَ الْكَسْبُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْغَصْبُ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْمِلْكِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَهَذَا أَيْضًا وَهْمٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ لِلْغَاصِبِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْوَلَدُ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ هُوَ السَّبَبَ لِلْمِلْكِ لَكَانَ إذَا تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ بِذَلِكَ السَّبَبِ يَمْلِكُ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ إذَا تَمَّ بِالْإِجَازَةِ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ. وَمَعَ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْضُ الشُّنْعَةِ لِأَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْأَسْلَمُ أَنْ يُقَالَ الْغَصْبُ يُوجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ وَرَدَّ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ مَقْصُودًا بِهَذَا السَّبَبِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلَدَ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَالْوَلَدُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِتَبَعٍ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِيهِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ مَحْضٌ وَالْكَسْبُ كَذَلِكَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ تَبَعًا مَحْضًا وَثُبُوتُهُ فِي الْبَيْعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي الْمَتْبُوعِ مَقْصُودًا بِسَبَبِهِ أَوْ شَرْطًا لِغَيْرِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ سِرِّ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْيَدِ الْفَائِتَةِ أَمْ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فَعِنْدَنَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْيَدِ قَالَ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِالْغَصْبِ مَا فَاتَ بِالْغَصْبِ وَهُوَ الْيَدُ فَكَانَ شَرْعُ الضَّمَانِ لِجَبْرِ مَا ذَكَرْنَا مَا فَاتَ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جَبْرٍ بِالِاتِّفَاقِ لَا بِإِزَاءِ مَا هُوَ قَائِمٌ لِيَفُوتَ وَإِذَا كَانَ الضَّمَانُ لِجَبْرِ مَا ذَكَرْنَا بَقِيَ الْمِلْكُ فِي الْمَغْصُوبِ كَمَا كَانَ.

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ فِي الضَّمَانِ لِلْمَالِكِ يَدًا لَا ذَاتًا عَلَى مِثَالِ الْمَضْمُونِ لَكِنَّ إثْبَاتَ يَدِ الْمِلْكِ بِدُونِ مِلْكِ الذَّاتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ الْيَدَ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهَذَا بِدُونِ مِلْكِ الذَّاتِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأَثْبَتْنَا الْمِلْكَ فِي الذَّاتِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْفَائِتِ وَالْجَابِرِ وَمَا ثَبَتَ ضَرُورَةً غَيْرُهُ كَانَ عَدَمًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ مُدَبَّرًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ وَجَبَ الضَّمَانُ مُقَابَلًا بِالْيَدِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ وَفَصْلُ الْمُدَبَّرِ يُوَضِّحُ أَنَّ الضَّمَانَ بِمُقَابَلَةِ الْيَدِ إذْ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَكَانَ مِنْ شَرْطِ الْقَضَاءِ بِهِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَالِكِ عَنْ الْعَيْنِ لَمَّا قَضَى الْقَاضِي بِهِ فِي مَحَلِّهِ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>