. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
مَشْرُوعٍ رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ فَكَانَ هَذَا نَقْضًا لِذَلِكَ الْأَصْلِ.
وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ أَوْ عَلَى صَيْدٍ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا عِصْمَةَ الْمَحَلِّ، وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّنَا دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْخِطَابُ فِي حَقِّهِمْ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ وَالْإِلْزَامِ فَكَانُوا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ أَعْنِي ثُبُوتَ الْعِصْمَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخِطَابُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى الصَّيْدِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى رِقَابِنَا فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَمَلُّكَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَيَعْتَقِدُونَ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا لَا يَمْلِكُونَهَا فَلِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِ دَلِيلًا آخَرَ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالرِّقَابِ فَقَالَ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ مُتَنَاهِيَةٌ يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ إلَّا أَنَّهَا انْتَهَتْ بِانْتِهَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْإِحْرَازُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مُحَرَّمَ التَّعَرُّضِ مُحَصَّنًا لِحَقِّ الشَّرْعِ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ أَوْ بِالدَّارِ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَدْ انْتَهَى كِلَاهُمَا بِإِحْرَازِهِمْ الْمَأْخُوذَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَنْتَهِي الْعِصْمَةُ الثَّانِيَةُ بِهِ كَمَا يَنْتَهِي عِصْمَةُ النَّفْسِ بِانْتِهَاءِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا انْتَهَتْ الْعِصْمَةُ بِانْتِهَاءِ سَبَبِهَا سَقَطَ النَّهْيُ وَلَمْ يَبْقَ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى عِصْمَةِ الْمَحَلِّ وَلَمْ يَبْقَ (فَإِنْ قِيلَ) ابْتِدَاءُ الِاسْتِيلَاءِ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ فَيَلْغُو لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ فَلَا يَفْسُدُ زَوَالُ الْعِصْمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَنْ أَخَذَ صَيْدَ الْحَرَمِ وَأَخْرَجَهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ وَإِنْ زَالَتْ عِصْمَةُ الْحَرَمِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَخْذِ لَاقَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ.
وَكَذَا إذَا اشْتَرَى خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَإِنْ صَارَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ بَعْدَ زَوَالِ الْخَمْرِيَّةِ كَذَلِكَ هَذَا (قُلْنَا) قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ لِلْفِعْلِ الْمُمْتَدِّ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَأَنَّهُ يَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا فِي لُبْسِ الْخُفِّ فِي حَقِّ الْمَسْحِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ، وَالِاسْتِيلَاءُ فِعْلٌ مُمْتَدٌّ فَصَارَ بَعْدَ الْإِدْخَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ ابْتِدَاءً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ مَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الصَّيْدِ أَنَّهُ يَمْلِكُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ بَاعَ يَجُوزُ بَيْعُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ وَلَوْ أَكَلَهُ يَحِلُّ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْإِرْسَالُ وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْ يَجِبُ الْجَزَاءُ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَصِيَانَةً لِحُرْمَتِهِ فَإِنَّا لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الصَّيْدَ وَأَخْرَجَهُ لَا يَجِبُ الْإِرْسَالُ وَالْجَزَاءُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَفْوِيتِ الْأَمْنِ عَنْ الصَّيْدِ وَإِلَى هَتْكِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَدٍّ فَإِذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ بَطَلَ أَصْلًا وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ لِأَنَّ عِصْمَتَهَا عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ ثَبَتَتْ بِالْحُرِّيَّةِ الْمُتَأَكَّدَةِ بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ تَنْتَهِ بِالْإِحْرَازِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَاسْتَوْلَى عَلَى مَالِهِ مُسْلِمٌ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ الْعِصْمَةُ بِزَوَالِ الْيَدِ وَالدَّارِ جَمِيعًا، وَتَحَقَّقَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَمْ يَتِمَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْإِحْرَازِ وَالْمُسْلِمُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِدَارِهِمْ بَلْ يَدْخُلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute